وإنما المراد الوفاء بمقتضاهما ؛ ومنه (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) [يوسف : ٣٢] إذ الذوات لا يتعلّق بها لوم ، والتقدير في حبّه ، بدليل (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) [يوسف : ٣٠] أو في مراودته ، بدليل (تُراوِدُ فَتاها) [يوسف : ٣٠] وهو أولى لأنه فعلها بخلاف الحب (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) [يوسف : ٨٢] أي : أهل القرية وأهل العير ، (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) [الأعراف : ٨٥] أي وإلى أهل مدين بدليل (أَخاهُمْ ؛) وقد ظهر في (وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) [القصص : ٤٥] ، وأما (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا) [الأعراف : ٤] فقدّر النحويون «الأهل» بعد «من» و «أهلكنا» و «جاء» ؛ وخالفهم الزمخشريّ في الأولين ، لأن القرية تهلك ، ووافقهم في (فَجاءَ) لأجل (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) [الأعراف : ٤] ، (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ) [الإسراء : ٧٥] ، أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ) [الأحزاب : ٢١] ، أي رحمته (يَخافُونَ رَبَّهُمْ) [النحل : ٥٠] أي : عذابه ، بدليل (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) [الإسراء : ٥٧] ، (يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [التوبة : ٣٠] أي : يضاهي قولهم قول الذين كفروا ، وقال الأعشى [من الطويل] :
٨١٤ ـ ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا |
|
[وبتّ كما بات السّليم مسهّدا](١) |
فحذف المضاف إلى «ليلة» والمضاف إليه «ليلة» وأقام صفته مقامه ، أي : اغتماض ليلة رجل أرمد ؛ وعكسه نيابة المصدر عن الزمان «جئتك طلوع الشّمس» أي : وقت طلوعها ، فناب المصدر عن الزّمان ، وليس من ذلك «جئتك مقدم الحاج» خلافا للزمخشري ، بل المقدم اسم لزمن القدوم.
تنبيه ـ إذا احتاج الكلام إلى حذف مضاف يمكن تقديره مع أول الجزءين ومع ثانيهما فتقديره مع الثاني أولى ، نحو : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ) [البقرة : ١٩٧] ، ونحوه : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ) [البقرة : ١٧٧] ، فيكون التقدير : الحجّ حجّ أشهر ، والبر برّ من آمن ، أولى من أن يقدر : أشهر الحج أشهر ، ولكنّ ذا البر من آمن ، لأنك في الأول قدّرت عند الحاجة إلى التقدير ، ولأن الحذف من آخر الجملة أولى.
__________________
(١) البيت من البحر الطويل ، انظر : الخصائص ٣ / ٣٢٢.