«كتبت إلى القلم» ، على أن البصريّين ومن تابعهم يرون في الأماكن التي ادعيت فيها النيابة أن الحرف باق على معناه ، وأن العامل ضمّن معنى عامل يتعدّى بذلك الحرف ؛ لأن التجوّز في الفعل أسهل منه في الحرف.
الرابع عشر : قولهم : «إن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى ، وإذا أعيدت معرفة أو أعيدت المعرفة معرفة أو نكرة كان الثّاني عين الأول» ، وحملوا على ذلك ما روي «لن يغلب عسر يسرين». قال الزجّاج : ذكر «العسر» مع الألف واللام ثم ثنّي ذكره ؛ فصار المعنى : إن مع اليسر يسرين ، ا ه.
ويشهد للصورتين الأوليين أنك تقول : «اشتريت فرسا ثم بعت فرسا» ، فيكون الثّاني غير الأول ؛ ولو قلت : «ثم بعت الفرس» ، لكان الثاني عين الأول ، وللرابع قول الحماسي [من الهزج] :
٨٨٢ ـ صفحنا عن بني ذهل |
|
وقلنا : القوم إخوان |
٨٨٣ ـ عسى الأيّام أن يرجع |
|
ن قوما كالّذي كانوا (١) |
ويشكل على ذلك أمور ثلاثة.
أحدها : أنّ الظاهر في آية (أَلَمْ نَشْرَحْ) [الانشراح : ١] أن الجملة الثانية تكرار للجملة الأولى ، كما تقول : «إنّ لزيد دارا إن لزيد دارا» وعلى هذا فالثانية عين الأولى.
والثاني : أنّ ابن مسعود قال : لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه ، إنه لن يغلب عسر يسرين ، مع أن الآية في قراءته وفي مصحفه مرّة واحدة ؛ فدلّ على ما ادّعيناه من التأكيد ، وعلى أنه لم يستند تكرّر اليسر من تكرره ، بل هو من غير ذلك ، كأن يكون فهمه ممّا في التنكير من التفخيم فتأوّله بيسر الدارين.
والثالث : أن في التّنزيل آيات تردّ هذه الأحكام الأربعة ، فيشكل على الأول قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) [الروم : ٥٤] الآية ، (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) [الزخرف : ٨٤] ، والله إله واحد سبحانه وتعالى ؛ وعلى الثاني قوله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النساء : ١٢٨] ، فالصلح الأوّل خاصّ ، وهو الصلح بين الزّوجين ، والثاني عام ، ولهذا يستدلّ بها على استحباب كلّ صلح جائز ،
__________________
(١) البيتان من الهزج ، وهما للفند الزماني (شهل بن شيبان) في أمالي القالي ١ / ٣٢ ، وحماسة البحتري ص ٥٦ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤٣١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٤٤.