ومثله (زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) [النحل : ٨٨] ، والشيء لا يكون فوق نفسه ؛ وعلى الثالث قوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) [آل عمران : ٢٦] ، فإن الملك الأول عام ، والثاني خاص ؛ (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) (٦٠) [الرحمن : ٦٠] فإن الأولّ العمل والثاني الثّواب ؛ (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) [المائدة : ٤٥] فإن الأولى القاتلة ، والثانية المقتولة ؛ وكذلك بقية الآية. وعلى الرابع (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ) [النساء : ١٥٣] ، وقوله [من الطويل] :
٨٨٤ ـ [بلاد بها كنّا وكنّا من اهلها] |
|
إذ النّاس ناس والزّمان زمان (١) |
فإن الثاني لو ساوى الأول من مفهومه لم يكن في الإخبار به عنه فائدة ، وإنما هذا من باب قوله [من الرجز] :
٨٨٥ ـ أنا أبو النّجم وشعري شعري |
|
[لله درّي ما أجنّ صدري](٢) |
أي : وشعري لم يتغيّر عن حالته.
فإذا ادّعي أن القاعدة فيهنّ إنما هي مستمرّة مع عدم القرينة ، فأمّا إن وجدت قرينة فالتعويل عليها ؛ سهل الأمر.
وفي الكشّاف «فإن قلت : ما معنى «لن يغلب عسر يسرين؟» قلت : هذا حمل على الظاهر ، وبناء على قوّة الرجاء ، وأن وعد الله لا يحمل إلا على أبلغ ما يحتمله اللفظ ؛ والقول فيه أن الجملة الثانية يحتمل أن تكون تكريرا للأولى كتكرير (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (١٥) [المرسلات : ١٥] لتقرير معناها في النفوس ، وكتكرير المفرد في نحو : «جاء زيد زيد» ، وأن تكون الأولى عدة بأن العسر مردوف باليسر لا محالة ؛ والثانية عدة مستأنفة بأن العسر متبوع باليسر لا محالة ؛ فهما يسران على تقدير الاستئناف ، وإنما كان العسر واحدا لأن اللام إن كانت فيه للعهد في العسر الذي كانوا فيه فهو هو ؛ لأن حكمه حكم «زيد» في قولك «إنّ مع زيد مالا إن مع زيد مالا» ؛ وإن كانت للجنس الذي يعلمه كلّ أحد فهو هو أيضا ؛ وأمّا اليسر فمنكّر متناول لبعض الجنس ، فإذا كان الكلام الثاني مستأنفا فقد تناول بعضا آخر ، ويكون الأول ما تيسّر لهم من الفتوح في زمنه عليه الصلاة والسّلام ، والثاني ما تيسّر في أيام الخلفاء ؛ ويحتمل أن المراد بهما يسر الدّنيا ويسر الآخرة مثل :
__________________
(١ و ٢) البيت من الطويل ، وهو لرجل بن عاد في الأغاني ٢١ / ١٠٥ ، وبلا نسبة في الخصائص ٣ / ٣٣٧ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٤٧ ، ولسان العرب ٦ / ١١ مادة / أنس /.