عن هذه الحياة : يقول : وإنّي تارك فيكم الثّقَلين.
وروى الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب الغيبة تأويل هذه الآية، وهو من محاسن التّأويل، عن محمّد بن الحسن، عن أبيه، عن جدّه قال : قا عليّ بن الحسين عليهماالسلام : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله ذات يوم جالساً في المسجد، وأصحابه حوله، فقال لهم : يطلع عليكم رجل من أهل الجنّة يسأل عمّا يعنيه. قال : فطلع علينا رجل شبيه برجال مصر، فتقدّم وسلّم على رسول الله صلىاللهعليهوآله وجلس، وقال : يا رسول الله، إنّي سمعت الله يقول : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)، فما هذا الحبل الّذي أمر الله بالاعتصام به، ولا نتفرّق عنه؟ قال : فأطرق ساعة، ثمّ رفع رأسه، وأشار إلى عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وقال : هذا حبل الله الّذي مَن تمسّك به عُصم في دنياه، ولم يضلّ في أخراه، الحديث.١
وهذا الحديث المشهور بحديث الثقلين، يدلّ على أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوآله خلّف لأُمّته هذين الثقلين العظيمين واعتمد عليهما، وقرن سعادة المسلمين بالتمسّك بهما معاً.
واعتبر رسول الله صلىاللهعليهوآله عليّاً عليهالسلام عِدل القرآن وأحد الثقلين، وصرّح أنّهما لن يفترقا إلى يوم القيامة، فالقرآن مع العترة، والعترة مع القرآن، فمن لم يتمسّك بأهل البيت لم يتمسّك بالقرآن وإن زعم ذلك، وهو في الآخرة من الخاسرين ،
_______________________
٤ / ٢٣؛ المناقب لابن مغازليّ ١٨، ٢٣٤ ـ ٢٣٦؛ سنن الدارميّ ٢ / ٤٣١، كتاب فضائل القرآن؛ خصائص النسائيّ ١١٢ رقم ٧٨؛ مجمع الزوائد ٩ / ١٨٣؛ المناقب للخوارزميّ ١٥٤ رقم ١٨٢؛ سنن الترمذيّ ٥ / ٦٣٣ رقم ٣٧١٣؛ السنن الكبرى للبيهقيّ ٥ / ٤٥ رقم ٨١٤٨؛ تهذيب الكمال ١١ / ٩٠؛ فيض القدير ٣ / ١٥، وفيه : في هذا الحديث تصريح بأنّهما ـ أي القرآن والعترة ـ كتوأمين خلّفهما وأوصى أُمّته بحسن معاملتهما وإيثار حقّهما على أنفسهم والاستماك بهما في الدّين.
١ ـ الغيبة للنعمانيّ ٤١، باب ٢؛ تأويل الآيات الظاهرة ١٢٣؛ نهج الإيمان ٥٤٧.