فبعث عمر وعقد له لواءً، فرجع منهزماً بالنّاس، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لَأُعطينّ الرايةَ رجلاً يحبّه الله ورسوله، ويحبّ الله ورسوله، يفتح الله له، ليس بفرّار. قال : فأرسل إليّ وأنا أرمد، فقلت : إنّي أرمد، فتفل في عيني، ثمّ قال : اللّهمّ أكفِه أذى الحَرّ والبرد، قال : فما وجدتُ حرّاً بعده ولا برداً.١
وقال ابن أبي الحديد : في شرح قوله عليهالسلام : لابنه الحسن عليهالسلام : «لا تَدْعُوَنّ إلى مُبارَزة، فإن دُعيتَ إليها فأجب، فإنّ الدّاعي إليها باغٍ، والباغي مصروع».
وقد ذكره الحكم ثمّ ذكر العلّة، وما سمعنا أنّه عليهالسلام دعا إلى مبارزة قطّ، وإنّما كان يُدعىٰ هو بعينه، أو يُدعى مَنْ يبارز، فيخرج إليه فيقتله. دعا بنو ربيعة بن شمس بني هاشم إلى البراز يوم بدر، فخرج عليهالسلام فقتل الوليد، ودعا طلحة بن أبي طلحة إلى البراز يوم أُحد، فخرج إليه فقتله، ودعا مرحب إلى البراز يوم خيبر فخرج إليه فقتله.
فأمّا الخَرجة الّتي خرجها يوم الخندق إلى عمرو بن عبد وَدّ، ، فإنّها أجلّ من أن يقال جليلة، وأعظم مِن أن يقال عظيمة، وما هي إلّا كما قال شيخنا أبو الهذيل، وقد سأله سائل : أيّما أعظم عند الله تعالى عليّ أم أبو بكر؟ فقال : يا ابن أخي، واللهِ لَمبارزة عليّ عَمْراً يوم الخندق تَعدِلُ أعمال المهاجرين والأنصار وطاعاتهم كلّها وتُربي عليها، فضلاً عن أبي بكر وحده.٢
وكان عليّ عليهالسلام يقول : لو تظاهَرَت العربُ على قتالي، لمّا ولّيت. ولقد أرى
_______________________
١ ـ ترجمة الإمام عليّ عليهالسلام لابن عساكر ١ / ٢٢٠؛ تاريخ دمشق الكبير ٢٣ / ٧٩ ـ ٨٦؛ مسند أحمد بن حنبل ١ / ٣٤، ١٦٩ باختلاف؛ مجمع الزّوائد ٩ / ١٢٤؛ المستدرك للحاكم ٣ / ١١١؛ المناقب للخوارزميّ ١٧٠؛ حلية الأولياء ١ / ٦٥؛ البداية والنّهاية ٤ / ١٨٩؛ صحيح مسلم ٢ / ٤٤٨؛ سنن ابن ماجة ١ / ٤٥؛ سنن الترمذيّ ٥ / ٣٠١؛ دلائل النبوّة للبيهقيّ ٤ / ١١٢.
٢ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٩ / ٦٠.