٨ ـ تأليف معاصرينا في هذه الفنون
أنشئت المدارس العالية والثانوية بمصر في نهاية القرن الغابر ، وسلكت في التربية والتعليم طريقا سويا ، لا مشاكلة بينه وبين ما تقدمه في معهد العرفان ، وكان في مقدمة تلك المدارس التي شيدت ، مدرسة دار العلوم من نحو أربعين سنة ونيف ، فألف أساتذتها مختصرات تناسب تلك البرامج المدرسية ، ويسهل على الطلبة أن يحصلوا على بغيتهم منها ، فحمد لهم الناس جميل صنعهم وأوفوهم حقهم في الثناء والتقريظ مقدار ما كان لمؤلفاتهم من الميزة إبان ظهورها.
وفي الحق أن تلك الرسائل وإن اختلف ترتيبها ، وتنوع تبويبها ، تنحو على الجملة في أسلوبها ، منحى ما كتبه صاحب التلخيص وشراحه ، وتسير على خطتهم وتحذو حذوهم (وقد عرفت حال هذه التآليف) فضلا عن خلوها من الأمثلة المنوعة التي تتضح بها مجملات تلك القواعد.
وأفضل تلك المختصرات كتاب «دروس البلاغة» فهو على إيجازه الذي لوحظ فيه حال النشء ، وهم في بدء تحصيل مختلف العلوم ، كفيل بتصوير القواعد في أذهانهم جهد المستطاع.
٩ ـ طريقنا في التأليف
رأينا أن نضع كتابا يجمع بين طريق المتقدمين ، من سعة الشرح والبيان ، والاعتماد على الأمثلة والشواهد ، حتى تستبين للقارىء خصائص البلاغة مرموقة محسوسة ، ولطائف الكلام مجسمة ملموسة ، ويسهل تطبيق العلم على العمل ، والإجمال على التفصيل ، وذلك أمثل الطرق ، لبنائه على قواعد علم النفس ، من تعويد الناظر الركون الى الوجدان والحس ، وطريق المتأخرين من حسن الترتيب والتبويب ، وجمع ما تفرق من قواعد هذه الفنون ، ليكون أنجع في الدرس ، وأقرب إلى التناول.
فإذا كنا قد وفقنا الى ما قصدنا وهدينا الى الغرض الذي توخينا ، فذلك من فضل الله علينا ، وإن كنا تنكّبنا عن جادة الحق وأخطأنا شاكلة الصواب ، فليغض القارىء الطرف عما يراه من الهفوات ، ويعثر عليه من الزلات ،