ونبههم الى قدرها وقدرته عليها ولطفه فيها ، وجعلها فاصلة بين كل نعمة ليعرف موضع ما أسداه اليهم منها.
وقد جاء مثل ذلك كثيرا في كلام العرب ، ألا ترى الى مهلهل وقد كرر قوله : «على أن ليس عدلا من كليب (١)» في أكثر من عشرين بيتا من قصيدته ، وإلى الحرث بن عباد وقد كرر قوله : «قربا مني مربط النعامة (٢)» أكثر من سابقة ، لأنهما رأيا الحاجة ماسة إلى التكرير ، والضرورة داعية اليه ، لعظم الخطب وشدة موقع النكبة.
٤ ـ الإيغال (٣) ، وهو ختم البيت بما يفيد النكتة ، يتم المعنى بدون التصريح بها ، وذلك إما :
(أ) لزيادة المبالغة والتأكيد ، كقول الخنساء :
وإن صخرا لشأتم الهداة به |
|
كأنه علم في رأسه نار |
فقولها : في رأسه نار ، من الإيغال الحسن ، إذ لم تكتف بأن تشبهه بالعمل الذي هو الجبل المرتفع المشهور بالهداية حتى جعلت في رأسه نارا ، لما في ذلك من زيادة الظهور والانكشاف.
(ب) لتحقيق التشبيه ، كقول امريء القيس :
كأن عيون الوحش حول خبائنا |
|
وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب (٤) |
فقد أكد التشبيه وأظهر رونقه بقوله : لم يثقب ، لأن الجزع إذا كان غير مثقوب كان بالعيون أشبه ، وقيل : لا يختص بالشعر ، بل يكون في النثر كقوله تعالى : (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ)(٥) ، فإن الرسل مهتدون لا محالة ، فالمعنى يتم بدون التصريح بقوله تعالى (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) إلا أن فيه زيادة حث وترغيب على اتباع الرسل.
__________________
(١) العدل : النظير ، وتكملة البيت الأول منها : اذا طرد اليتيم عن الجزور.
(٢) النعامة فرسه ، وبجير ابنه وكان قد قتله مهلهل حين الأخذ بالثأر.
(٣) من أوغل في البلاد اذا أبعد فيها.
(٤) الجزع (بفتح الجيم) خرز يمان فيه بياض وسواد تشبه به العيون.
(٥) سورة يس الآية ٢١.