إذا ما راية رفعت لمجد |
|
تلقاها عرابة باليمين |
مع قول بشر بن أبي حازم يمدحه أيضا :
إذا ما المكرمات رفعن يوما |
|
وقصّر مبتغوها عن مداها (١) |
وضاقت أذرع المثرين عنها |
|
سما أوس اليها فاحتواها |
المبحث الخامس ـ الايجاز أفضل أم الاطناب مواضع كل منهما
اختلفت آراء الأئمة في تفضيل الايجاز على الاطناب ، أو العكس ، فمن مفضل للايجاز ، كشبيب بن شيبة ، إذ يقول : القليل الكافي خير من كثير غير شاف.
ويقول آخر : اذا طال الكلام عرضت له أسباب التكلف ، ولا خير في شيء يأتي به التكلف.
ومن مرجح للاطناب وحجته أن المنطق إنما هو البيان ، والبيان لا يكون إلا بالإشباع ، والشفاء لا يقع إلا بالإقناع ، وأفضل الكلام أبينه ، وأبينه أشده إحاطة بالمعاني ، ولا يحاط بالمعاني إحاطة تامة إلا بالاستقصاء ، أضف الى ذلك أن الايجاز للخواص ، والاطناب مشترك بين الخاصة والعامة ، والغبي والفطن.
والمختار ، أن الحاجة الى كل ماسة ، وأن لكل موضعا لا يسد عنه فيه سواه ، فمن استعمل أحدهما في موضع الآخر ، فقد أخطأ.
قال جعفر بن يحيى : متى كان الايجاز أبلغ كان الاكثار وعيا ، ومتى كانت الكفاية في موضع الاكثار ، كان الايجاز تقصيرا ، يرشد الى ذلك قول القائل يصف خطباء إباد :
يرمون بالخطب الطوال وتارة |
|
وحي الملاحظ خشية الرقباء (٢) |
وقد استحبوا الايجاز في المواضع الآتية :
__________________
(١) رفع المكرمات يراد به بروزها للطالبين ، ومبتغوها طالبوها ، واحتواها أخذها.
(٢) الوحي الاشارة بالكلام الخفي ، والملاحظ جمع ملحظ كمطلب اللحظ ووحي منصوب على المصدر ، أي تارة يوحون ، أي يأتون بكلام سريع خفي ، كحال من ينظر الى حبيبه بمؤخر عينيه خوفا من الرقباء.