وذلك أنه لما رأى استمرار وصف الأخلاق بالضيق وبالسعة ، تعمد تشبيه الأرض الواسعة بخلق الكريم بادعاء أنه في السعة أكمل من الأرض المتباعدة الأطراف ، وقوله تعالى حكاية عن مستحلي الربا : إنما البيع مثل الربا ، إذ مقتضى الظاهر أن يقال : إنما الربا مثل البيع ، لكنهم خالفوا ذلك ذهابا منهم الى جعل الربا في الحل أقوى حالا من البيع.
ومنه قول البحتري :
في طلعة البدر شيء من محاسنها |
|
وللقضيب نصيب من تئنيها |
وقوله في وصف بركة المتوكل :
كأنها حين لجت في تدفقها |
|
يد الخليفة لما سال واديها |
وكل هذا إذا أريد إلحاق الناقص في وجه الشبه حقيقة ، أو ادعاء بالزائد فيه فإن أريد مجرد الجمع بين شيئين في أمر جاز التشبيه ، ولكن الأحسن تركه والعدول الى التشابه ليكون كل من الطرفين مشبها ومشبها به احترازا من ترجيح أحد المتساويين على الآخر ، كما فعل أبو إسحاق الصابي في قوله :
تشابه دمعي إذ جرى ومدامتي |
|
فمن مثل ما في الكاس عيني تسكب |
فو الله ما أدري أبالخمر أسلبت |
|
جفوني أم من عبرتي كنت أشرب (١) |
ويجوز التشبيه أيضا كتشبيههم غرة الفرس بالصبح وعكسه متى أريد ظهور منير في مظلم أكثر منه ، من غير قصد ، الى المبالغة في وصف الغرة بالضياء وفرط التلألؤ ، ونحو ذلك ، وتشبيه الشمس بالمرآة المجلوة ، أو الدينار الخارج من السكة ، كما قال ابن المعتز :
وكأن الشمس المنيرة دينا |
|
ر جلته حدائد الضراب |
وعكسه متى أريد استدارة متلألىء متضمن لخصوص في اللون ، وإن عظم التفاوت بين نور الشمس ونور المرآة ، والدينار وبين الجرمين ، إذ ليس شيء من ذلك بمنظور اليه في التشبيه.
__________________
(١) سكب الدمع : إرساله ، وأسبل الدمع والمطر اذا مطل.