ومن مهلهلها وسهلها قوله عليهالسلام : «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل واعدد نفسك في الموتى ، فإذا أمسيت فلا تحدثها بالصباح ، واذا أصبحت فلا تحدثها بالمساء ، وخذ من صحتك لسقمك ، ومن شبابك لهرمك ، ومن فراغك لشغلك».
وإن شئت إيضاحا وبيانا ، وعلما وعرفانا ، فوازن بين قول النمر بن تولب يذم الحياة :
يود الفتى طول السلامة والغنى |
|
فكيف ترى طول السلامة يفعل |
يكاد الفتى بعد اعتدال وصحة |
|
ينوء اذا رام القيام ويحمل |
وقول الفند الزمّاني :
أيا تملك يا تمل |
|
وذات الطوق والحجل |
ذريني وذرى عذلي |
|
فإن العذل كالقتل |
تجد المدى واسعا والهوة بينهما سحيقة والتفاوت لا حد لغايته ، أو اقرن بين قول معن بن أوس في الفخر :
لعمرك ما أهويت كفي لريبة |
|
ولا حملتني نحو فاحشة رجلي |
ولا قادني سمعي ولا بصري لها |
|
ولا دلني رأيي عليها ولا عقلي |
وأعلم أني لم تصبني مصيبة |
|
من الدهر إلا قد أصابت فتى قبلي |
وقول بشار بن برد :
ربابة ربة البيت |
|
تصب الخل في الزيت |
لها عشر دجاجات |
|
وديك حسن الصوت |
ترى عجبا عاجبا وتفاوتا في الصنعة لا يحتاج الى مراء أو جدل.
وإن شاقك أن تعرف فاخر الكلام ورصينه ، وما يسابق معناه ولفظه ، ولفظه معناه ، وما لا يكون لفظه أسبق الى سمعك من معناه الى قلبك ، وما قالوا في مثله إنه يدخل في الآذان بلا استئذان فانظر قول الرقاشي في العظة والاعتبار : «سل الأرض من شق أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك فإن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا». وقول بعض الكتاب : مثلك أوجب حقا لا يجب عليه ، وسمح بحق وجب له ، وقبل واضح العذر ، واستكثر قليل الشكر ، لا زالت أياديك فوق شكر أوليائك ، ونعمة الله عليك فوق آمالهم فيك.