فصاحة وأكملها بلاغة ، ومع ذلك وجم العرب ، وخرست شقاشقهم مع طول التحدي وشد النكير عليهم ، وحقت له الكلمة العليا.
ثم يليه في الرتبة كلام رسوله عليهالسلام ، فقد أوتي من جوامع الكلم ما حارت في أمره جهابذة الفصاحة وأساطين البلاغة ، ثم كلام البلعاء من العرب جاهليين وإسلاميين.
شواهد
من فصيح الكلام تشرح أسرار الفصاحة وتبين مراتب البلاغة
القرآن الكريم هو الينبوع الذي لا يغيض ماؤه والشجرة التي لا ينقطع ثمرها والجديد الذي لا تبلى جدته ، فقد ضرب الأمثال ، وتفجرت منه ضروب الحكمة وقص علينا من أخبار الماضين وسير الغابرين ما فيه العبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وبسط ذلك برائع الأساليب ، وبديع التراكيب ، انظر الى ما جاء فيه عند ذكر الحساب والصراط والميزان ، تجد اللفظ الجزل ، والقول الفصل ، نحو : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ. وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(١). كما تجد السهل المهلهل خطابا لنبيه عليهالسلام نحو : (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى)(٢) الى آخرها.
وقد اغترفت السنّة النبوية من ذلك البحر وقطفت من تلك الرياض فأوتيت من موجز الحكم وجامع الكلم ما لا يزال نجعة الرائد وكعبة القاصد ، فمن جزلها قوله عليهالسلام : «يابن آدم تؤتى كل يوم برزقك وأنت تحزن وينقص كل يوم من عمرك وأنت تفرح ، أنت فيما يكفيك ، وتطلب ما يطغيك ، لا بقليل تقنع ولا بكثير تشبع».
__________________
(١) سورة الزمر.
(٢) سورة الضحى.