الالتئام ، كأنهما أفرغا في قالب واحد ، وذلك يحرك من نشاط السامعين ويعين على إصغائهم ، وأحسنه ما تهيأ للناظم في بيت واحد كقول مسلم بن الوليد يمدح يحيى البرمكي :
أجدك ما تدرين أن رب ليلة |
|
كأن دجاها من قرونك ينشر |
سريت بها حتى تجلت بغرّة |
|
كغرة يحيى حين يذكر جعفر (١) |
ويليه ما جاء في بيتين كقول المتنبي يمدح المغيث بن علي العجلي :
مرّت بنا بين تربيها فقلت لها |
|
من أين جانس هذا الشادن العربا |
فاستضحكت ثم قالت كالمغيث يرى |
|
ليث الشرى وهو من عجل إذا انتسبا (٢) |
وأكثر الناس ولوعا بهذا النوع أبو الطيب ، ولأجله يسقط سقوطا قبيحا ، كقوله :
ها فانظري أو فظني بي ترى حرقا |
|
من لم يذق طرفا منها فقد وألا |
على الأمير يرى ذلي فيشفع لي |
|
إلى التي ترتكتني في الهوى مثلا (٣) |
فقد تمنى أن يكون الأمير قوادا له.
والمتأخرون كلهم على الجملة فلما يفوتهم سلوك هذه الطريق ، أما العرب فما كانوا يذهبون هذا المذهب في الخروج من المديح ، بل يقولون عند فراغهم من نعت الإبل وذكر القفار وما هم بسبيله : دع ذا ، وعد عن ذا ، ثم يأخذون فيما يريدون ، ويسمى هذا اقتضابا ، كقوله :
فدع ذا وسل الهم عنك بجسرة |
|
ذمول إذا صام النهار وهجرا (٤) |
أو يأتون بأن المشددة ابتداء للكلام الذي يقصدونه ، وكثيرا ما كان البحتري يسلك هذه الطريقة كقوله :
__________________
(١) أجدك (بكسر الجيم وفتحها) لا يتكلم به إلا مضافا ، والمعنى : أيجد منك هذا ، فنصبه على طرح الباء ، فاذا سبق بالواو فقيل : وجدك ، فهو مفتوح الجيم ليس غير.
(٢) الترب واللدة المساوي في السن ، والشادن : الظبي اذا شدت قرنه وقوي ، واستضحكت : ضحكت ، والثري مأسدة مشهورة.
(٣) الحرق جمع حرقة ما يجده الانسان من لذعة حب أو حزن ، ووأل نجا.
(٤) الجسرة الطوية الضخمة من النوق ، والذمول التي تسير ذميلا أي حثيثا ، وصام النهار قام قائم الظهيرة واعتدل.