(٣) المنكر للحكم ، وهذا يجب أن يؤكد له الكلام بقدر إنكاره ، قوه وضعفا ، ذاك أن المتكلم أحوج ما يكون الى الزيادة في تثبيت خبره إذا كان هناك من ينكره ويدفع صحته ، فهو حينئذ يبالغ في تأكيده حتى يزيل إنكاره ، يدل على ذلك ما قصه الله تعالى علينا حكاية عن رسل عيسى عليهالسلام حين بعثهم الى أهل أنطاكية فكذبوهم فقالوا لهم في المرة الأولى : (إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ)(١) وفي الثانية : (رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ)(٢) فأكدوا لهم أولا بأن واسمية الجملة ، وثانيا بالقسم (إذ ربنا يعلم في حكم ، علم الله وشهد الله) وان اللام والجملة الاسمية لما رأوا من شديد إنكارهم ، ويسمى هذا الضرب إنكاريا (٣).
والجري على هذا المنهج والسير على تلك الطريق في الأضرب الثلاثة يسمى : إخراج الكلام على مقتضى الظاهر.
وقد يلاحظ المتكلم اعتبارات أخرى خفية ، فيخرج كلامه على اعتبارها ، ويسمى ذلك إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر ، ولذلك صور كثيرة ، منها :
(١) أن ينزل غير السائل منزلة السائل ، فيؤكد له الكلام اذا تقدم ما يشير الى حكم الخبر فتستشرف نفسه وتتطلع اليه استشراف الطالب المتردد ، وذلك كثير في القرآن الكريم وكلام العرب ، نحو قوله تعالى : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ)(٤) فحين تقدم قوله : واصنع الفلك بأعيننا ، وقوله : ولا تخاطبني ، صار المقام مقام تردد بأن القوم هل حكم عليهم بالإغراق؟ فقيل : إنهم مغرقون ، وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)(٥). وقوله : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)(٦).
__________________
(١ و ٢) سورة يس الآية ١٤ و ١٦.
(٣) واعتبارات النفي كاعتبارات الاثبات فيجرد عن المؤكدات فى الابتدائي ويقوي بموكد استحسانا في الطلبي ويجب التوكيد في الانكاري.
(٤) سورة المؤمنون الآية ٢٧.
(٥) سورة الحج الآية ١ ، فان أمرهم بالتقوى يشير الى جنس الخبر الآتي بعده وأن هناك أهوالا تؤمن التقوى من فزعها في ذلك اليوم ، فكان المقام مقام تردد في أنه هل هناك أمامهم أمر مهم يقع لهم أن لم يتقوا ، فقيل أن زلزلة الخ ، وهكذا يقال فيما بعده.
(٦) سورة التوبة الآية ١٠٣.