(ب) ألا يجعل كناية عن مفعول مخصوص ، بل يقصد إثبات المعنى في نفسه من غير تعرض لمفعول كقولهم : فلان يحل ويعقد ويأمر وينهي ويضر وينفع ، فالمقصود أن له حلا وعقدا وأمرا ونهيا وضرا ونفعا ، وعليه قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(١) ، فالمعنى : هل يستوي من له علم ومن لا علم له ، وقوله عز اسمه : (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا)(٢).
٢ ـ أن يكون الغرض إفادة تعلقه بمفعول ، ويجب تقديره بحسب القرائن ، ويحذف حينئذ لداع من الدواعي الآتية ، وهي :
١ ـ البيان بعد الإبهام ليكون أوقع في النفس كما فعل في المشيئة اذا لم يكن في تعلقه بمفعوله غرابة ، فتقول : لو شئت جئت ولو شئت لم أجيء ، علم السامع أن هاهنا شيئا تعلقت المشيئة بوجوده أو عدمه ، فإذا قلت : جئت أو لم أجيء عرف ذلك الشيء ، ومن هذا الباب قوله تعالى : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ)(٣) ، وقول البحتري :
لو شئت لم تفسد سماحة حاتم |
|
كرما ولم تهدم مآثر خالد |
فإن كان تعلق الفعل به غرابة ذكر المفعول ليتقرر في نفس السامع ويأنس به كما يقول الرجل مخبرا عن عزه : لو شثت أن ألقى الخليفة كل يوم لقيته ، وعليه قوله تعالى : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ)(٤) ، وقول إسحاق الخزيمي يرثي حفيده :
ولو شئت أن أبكي دما لبكيته |
|
عليه ولكن ساحة الصبر أوسع |
لأنه لما كان من البدع العجيب أن يقابل أحد الخليفة كل يوم ، وأن يريد رب العالمين ولدا ، وأن يشاء الإنسان بكاء الدم صرح فيها بذكر المفعول.
٢ ـ دفع توهم الساهم من أول وهلة إرادة شيء غير ما هو مراد ، كقول البحتري يذكر ذود الممدوح ومساعدته إياه :
__________________
(١) سورة الزمر الآية ٩.
(٢) سورة النجم الآية ٤٣.
(٣) سورة الأنعام الآية ١٤٩.
(٤) سورة الزمر الآية ٤.