واما المجمع عليه ، فان أريد في الفتوى فهو ظاهر التعسر ، لان كتب المتقدمين كلها مقصورة على نقل الاخبار كما لا يخفى على من راجع الموجود منها الآن ، ككتاب قرب الاسناد وكتاب علي بن جعفر ومحاسن البرقي وبصائر الدرجات ونحوها ولتفرق الأصحاب وانزوائهم في زاوية التقية في أكثر البلدان ، وان أريد في الرواية بمعنى ان يكون مجمعا عليه في الأصول المكتوبة عنهم ، ففيه انها قد اشتملت على الأخبار المتخالفة والأحاديث المتضادة فهي مشتركة في الوصف المذكور ، وحينئذ فمتى لم تعلم هذه الأمور على الحقيقة فالمعتمد عليها ربما يقع في المخالفة من حيث لا يشعر وتزل قدمه من حيث لا يبصر ، فلا شيء أسلم من الأخذ بما وسعوا فيه من باب التسليم لهم دون الجزم والحكم بكون ذلك هو الحكم الواقعي ، فإن فيه تحرزا عن القول على الله (سبحانه) بغير علم ، وتخلصا من التهجم على الأحكام بغير بصيرة وفهم.
وما ذكره بعض مشايخنا المعاصرين (نور الله تعالى مراقدهم) (١) ـ من انه ليس الأمر كذلك ، قال : «فان الحق لا يشتبه بالباطل ، والمطوق ليس كالعاطل ، والشمس لا تستر بالنقاب ، والشراب لا يلتبس بالسراب ، وما ورد من التقية لا يكاد يخفى» انتهى ـ فعبارات قشرية وتسجيعات من التحقيق عرية ، كما لا يخفى على من عض على العلم بالأخبار بضرس قاطع ، واعطى التأمل حقه فيما أودعناه في هذه المواضع ، كيف؟ وهو (قدسسره) في جملة مصنفاته وفتاويه يدور مدار الاحتياط خوفا من الوقوع في شبهات الاحتياط ، قائلا في بعض مصنفاته : «ان مناط أكثر الأحكام لا يخلو من شوب وريب وتردد ، لكثرة الاختلافات في تعارض الأدلة وتدافع الأمارات ، فلا ينبغي ترك الاحتياط للمجتهد فضلا عمن دونه» انتهى.
(السادس) ـ قد اشتهر ـ بين أكثر أصحابنا سيما المتأخرين ـ عدا الاستحباب
__________________
(١) هو شيخنا العلامة أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي البحراني (قدسسره) في بعض مصنفاته (منه رحمهالله).