المكلف حينئذ متيقن البراءة والخروج من العهدة.
(ولو قيل) بان الحمل على الاستحباب والكراهة معتضد بالبراءة الأصلية ، إذ الأصل براءة الذمة حتى يقوم دليل قاطع على ما يوجب اشتغالها.
(قلنا) فيه (أولا) ـ ما عرفت في مسألة البراءة الأصلية من عدم قيام الدليل عليها بل قيامه على خلافها.
و (ثانيا) ـ انه بعد ورود الأمر والنهي مطلقا لا مجال للتمسك بها ، إذ المراد بها ، اما أصالة البراءة قبل تعلق التكاليف ، وحينئذ فبعد التكليف لا مجال لاعتبارها ، واما أصالة البراءة لعدم الاطلاع على الدليل ، والحال ان الدليل في الجملة موجود. نعم يبقى الشك في الدليل وتردده بين الوجوب والاستحباب ، والتحريم والكراهة ، هذا أمر آخر ، فالخروج عن قضية البراءة الأصلية معلوم. وبالجملة فأصالة البراءة عبارة عن خلو الذمة من تعلق التكليف مطلقا إيجابيا أو ندبيا ، وهو هنا ممتنع بعد وجود الدليل.
و (رابعها) ـ انه لا أقل ان يكون الحكم ـ بالنظر الى ما ذكرنا من الآيات والروايات ـ من المتشابهات التي استفاضت الاخبار بالوقوف فيها على ساحل الاحتياط : «حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك ، فمن تجنب الشبهات نجا من الهلكات» (١). ومن الظاهر البين ان الاحتياط في جانب الوجوب والتحريم.
هذا وما اعتضد به ـ شيخنا أبو الحسن (قدسسره) في كتاب العشرة الكاملة حيث اقتفى اثر أولئك القوم في هذه المقالة ، من ان الصدوق (رحمهالله) في كتاب من لا يحضره الفقيه قد حمل كثيرا من الأوامر على الندب وجما غفيرا من النواهي على الكراهة والتنزيه ـ ففيه انه ان كان ذلك كذلك فيمكن حمله على ظهور قرائن
__________________
(١) هذا من مقبولة عمر بن حنظلة المتقدمة في الصحيفة ٩١ الا ان المتقدم هناك هكذا : «فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات».