حذوه ، كالبارد والحار والهابط والصاعد والساكن والمتحرك والحلو والحامض والأبيض والأسود والمملوك والموجود والنائم واليقظان ، وبعض مما يقطع فيها بالصدق حقيقة مع عدمه ، كالمخبر والمتكلم ونحوهما من المصادر السيالة ، وبعض مما يشكل فيه ذلك مثل المؤمن والكافر ، فإنه لو اعتبر في صدقهما حقيقة وجود المبدأ لم يصدقا على من كان نائما أو غافلا ، للخلو عن التصديق والإنكار الذين هما مناط الايمان والكفر مع ان الاتفاق قائم على الصدق في الحالين المذكورين ، ولو اعتبر العدم ، صدق المؤمن على من كان كافرا الآن لو كان مؤمنا سابقا ، والكافر على من كان بالعكس ، ونحو ذلك من الأمثلة المندرجة تحت تلك الأقسام. ومن أجل ذلك اختلفت أفهامهم وتصادمت أوهامهم وطال نقضهم وإبرامهم ، وزيف كل ما اختاره بأدلة لا تسلم من المناقشة والإيراد ، وأجاب كل منهم عن أدلة الآخر بما لا يكاد يفي بالمراد ، ومن ثم توقف من توقف من أولئك الأقوام وأحجم عن الدخول والاقدام.
والحق ان البناء لما كان على غير أساس كثر الشك فيه والالتباس ، والأدلة العقلية لا تكاد تقف في مقام ، بل لا تزال قابلة للنقض والإبرام ، لاختلاف العقول في الاستعداد قوة وضعفا وصفاء الأذهان والافهام ، كما لا يخفى على من خاض لجج بحور علم المعقول ورأى ثمة تصادم الافهام والعقول.
والأظهر عندي ان بناء الأحكام الشرعية ـ على مثل هذه القواعد الغير المنضبطة والأصول الغير المرتبطة ـ مما لم يقم عليه دليل. بل الدليل على خلافه واضح النهج والسبيل.
(اما أولا) ـ فلدلالة اخبار أهل الذكر (سلام الله عليهم) على وجوب البناء في الأحكام الشرعية على العلم واليقين ومع عدمه فالوقوف على جادة الاحتياط. وقد مر بك شطر منها (١) وقد عرفت ـ من تعدد أقوالهم واختلاف آرائهم في أصل القاعدة
__________________
(١) كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة في الصحيفة ٧٣ السطر ٢ وحسنة بريد الكناسي المتقدمة في الصحيفة ٨٢ السطر ١٢ ، وغيرهما مما تعرض له في المقدمة الخامسة.