إذ لا فرق بين المقامين إلا باعتبار ان خروج الماء عن صفته الأصلية هناك باعتبار وقوع هذا الجسم فيه أخيرا ، وخروجه هنا باعتبار كون الأرض كبريتية أو زاجية فاتفق تكيفه برائحتها ، أو باعتبار موافقة لون ذلك الجسم الطاهر الذي تغير به الماء للون النجاسة في إحدى الصورتين ، ومخالفته لها على وجه يستر رائحتها في الصورة الأخرى. وكل منهما لا يصلح وجها للفرق الموجب لتغاير الحكم ، إلا ان بعض محققي متأخري المتأخرين استظهر ان الكلام هنا كالكلام في النجاسة المسلوبة الأوصاف دليلا وجوابا وظاهره ان النجاسة في هذه الصورة باعتبار ما عليه الماء من الصفات لم تغيره واقعا ، بخلاف الصورة التي تغير فيها بجسم طاهر ، فإنه تغير واقعا وان لم يظهر للحس بسبب الوصف العارضي. ولا يخفى ما فيه ، فان الواقع المعتبر القياس اليه ، ان لوحظ مع قطع النظر عن العارض فالتغير ثابت في الصورتين ، وإلا فلا فيهما. وقد عرفت ان الوجه الفارق لا يوجب تغايرا يترتب عليه ما ذكره (١).
__________________
(١) ثم انى وقفت بعد ذلك على كلام لشيخنا البهائي (عطر الله مرقده) في كتاب الحبل المتين يؤيد ما رجحناه ، حيث قال : «وقد يستفاد ـ من قوله (عليهالسلام) في الحديث الثاني : «كل ما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب». ـ انه لو كان للماء رائحة كالمياه الزاجية والكبريتية مثلا فسترت رائحة الجيفة ، لم ينجس وان كان بحيث لو خلا الماء من تلك الرائحة لظهرت ، لصدق غلبة الماء على ريح الجيفة. والحديث السابع من الفصل الثاني كالصريح في ذلك. لكن الحق صرفهما عن ظاهرهما. وتقدير الماء خاليا من رائحته الأصلية. انتهى» وأشار بالحديث السابع الى حسنة زرارة ، قال : «إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شيء تفسخ فيه أو لم يتفسخ الا ان تجيء له ريح تغلب على ريح الماء». وكأن ذلك الفاضل لم يقف ايضا على كلام شيخنا المذكور ، حيث انه ذكر ايضا انه لم يقف على كلام لأحد من الأصحاب في ذلك.
أقول : ومما يؤيد ما ذكرنا ايضا ان الأحكام المودعة في الاخبار إنما تحمل على الافراد الغالبة الشائعة كما صرحوا به ، وحينئذ فالمعتبر في الغلبة وعدمها هو المياه