ينبغي هنا ـ فجوابه ان وجه الفرق بين المقامين ظاهر ، فإن القرائن على ما هو المراد ثمة قائمة كما عرفت ، بخلاف ما هنا. ولأن الإفساد ثمة نكرة وقع في سياق النفي فيعم (١). واما الأمر بالتيمم في هذه الرواية فيمكن أن يكون هذا من جملة الأعذار المسوغة للتيمم ، فان إعذاره لا تنحصر في عدم وجود الماء ، بل من جملتها ما يؤدي الى مشقة استعماله أو تحصيله أو تضرر الغير باستعماله. وهذه الوجوه كلها ممكنة الاحتمال في المقام ولعل الأخير أقرب ، لقوله : «فتفسد على القوم ماءهم» فإن الإضافة تؤذن باختصاص البئر بالغير. ولعله إنما كان يبيح منها الاغتراف دون النزول فيها. ومما يدل على مشروعية التيمم في مثل ذلك رواية الحسين بن ابي العلاء (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يمر بالركية وليس معه دلو. قال : ليس عليه ان ينزل الركية ، ان رب الماء هو رب الأرض ، فليتيمم». حيث جوز التيمم للرجل مع انه ليس في الخبر انه جنب أو نجس بالكلية. ومن ذلك يعلم الجواب عن الدليل الثاني.
واما الخبر الرابع فالجواب عنه (أولا) ـ ان القائلين بالتنجيس متفقون على عدم حصول التنجيس بمجرد التقارب بين البئر والبالوعة ولو كان كثيرا ، فلا بد من تأويل هذا الخبر عندهم.
و (ثانيا) ـ انه يقصر عن معارضة الأخبار المتقدمة المعتضدة بالأصل ومطابقة ظاهر القرآن ومخالفة جمهور العامة كما عرفت ، فيتعين التأويل فيه بحمل النجاسة على مجرد
__________________
(١) فيتناول الإفساد بالنجاسة ان لم يكن مرادا بخصوصه بقرينة المقام ، وعلى التقديرين يكون معينا بدون التغير ، وهو المدعى. واما النهي عنه في هذا الخبر فإنما يصلح دليلا لو كان المقتضي للإفساد حينئذ منحصرا في النجاسة. ولا انحصار بعد ما ذكرنا من الوجوه المحتملة في المقام (منه رحمهالله).
(٢) المروية في الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب التيمم.