وجه الاستدلال حصر طهارة الوضوء في الماء والصعيد الدال على نفي غيرهما. وما يوهم خلاف ذلك ـ من قوله في ذيل الخبر الثاني : «فان لم يقدر على الماء وكان نبيذا. فاني سمعت حريزا يذكر في حديث : ان النبي (صلىاللهعليهوآله) قد توضأ بالنبيذ ولم يقدر على الماء». ـ فمحمول على التقية ، وفي الاستشهاد بنقل حريز إيناس بذلك. ويحتمل ايضا حمل النبيذ على ما ينبذ فيه تمر لكسر مرارة الماء كما كان يستعمل سابقا لكن على وجه لا يخرج به الماء عن الإطلاق ، كما تضمنه حديث الكلبي النسابة (١) إلا أن الظاهر بعده (٢) ويحتمل ايضا ان تكون هذه التتمة من كلام عبد الله بن المغيرة.
و (منها) ـ ان الحدث المانع من الدخول في الصلاة معنى مستفاد من الشرع فيجب استمراره بعد وجود سببه الى أن يثبت له رافع شرعي. والذي ثبت رافعيته من الشرع هو الماء المطلق. والقول بأنه يمكن المناقشة هنا بمنع حجية الاستصحاب مردود بان هذا الاستصحاب ليس من القسم المتنازع فيه. وهو القسم الرابع من الأقسام المتقدمة في المقدمة الثالثة ، بل هو من القسم الثاني أو الثالث من الأقسام المتقدمة الذي هو عبارة عن عموم الدليل أو إطلاقه ، كما تقدم إيضاحه (٣).
و (منها) ـ قوله تعالى : «وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً» (٤) فإنه تعالى ذكر الماء هنا في معرض الامتنان على العباد. فلو حصلت الطهارة بغيره لكان الامتنان بالأعم أولى. واعترض على هذا الوجه بأنه يجوز ان يخص أحد الشيئين الممتن بهما بالذكر لكونه أبلغ وأكثر وجودا وأعم نفعا. وقد تقرر ان التخصيص بالذكر لا ينحصر في التخصيص بالحكم.
__________________
(١) المروي في الوسائل في الباب ـ ٢ ـ من أبواب الماء المضاف والمستعمل.
(٢) وجه البعد ان المفروض ان النبيذ ماء مطلق ايضا ويتناوله الماء بإطلاقه ، فيدخل في عموم المقدورية على الماء في عبارة الخبر ، فكيف صح جعله قسيما ومقابلا له؟ (منه رحمهالله).
(٣) في المطلب الثاني في الصحيفة ٥١.
(٤) سورة الفرقان. الآية ٥١.