إلا انه لا يخفى ان الأخبار كلها إنما اتفقت في النهي عن الوضوء خاصة ، واما الشرب ففي بعضها تصريح بجوازه وفي بعضها قد طوي ذكره ، ولعل الوجه في ذلك ما أشرنا إليه آنفا (١) من اختصاص ماء الوضوء بالمزية كما في غير هذا الموضع ، لا من حيث كونه سؤرا ، وإلا لعم.
بقي هنا شيء وهو ان أكثر الأصحاب خصوا الكراهة بسؤر المتهمة ، وهي التي لا تتحفظ من النجاسة ، والروايات المقيدة إنما دلت على جواز الوضوء من سؤر المأمونة ، وهي المتحفظة من الدم ، ولا ريب ان غير المأمونة أعم من أن تكون متهمة أو مجهولة ، والظاهر انه لذلك عدل المحقق في الشرائع عن العبارة المشهورة فعبر بغير المأمونة ، وبه صرح السيد السند في شرحه ، حيث قال مشيرا إلى عبارة المصنف : ان ذلك اولى من إناطتها بالتهمة كما ذكره غيره. قال : «لأن النهي إنما يقتضي انتفاء المرجوحية إذا كانت مأمونة ، وهو أخص من كونها غير متهمة ، لتحقق الثاني في ضمن من لا يعلم حالها دون الأول. وما ذكره بعض المحققين ـ من ان المأمونة هي غير المتهمة ، إذ لا واسطة بين المأمونة ومن لا امانة لها ، والتي لا امانة لها هي المتهمة ـ غير جيد ، فان المتبادر من المأمونة من ظن تحفظها من النجاسة ونقيضها من لم يظن بها ذلك ، وهو أعم من المتهمة والمجهولة» انتهى. ويمكن ان يقال : انه وان كان نقيض المأمونة ما ذكره من الأعم من المتهمة والمجهولة ، لكن المراد هنا هو المتهمة خاصة ، لأن تعلق الحكم الذي هو الكراهة بانتفاء المأمونية يقتضي حصول العلم أو الظن بمتعلقه الذي هو عدم المأمونية ، وهو لا يحصل مع الجهل بحالها ، لاحتمال كونها مأمونة واقعا.
__________________
(١) في الصحيفة ٤٢٠.