ووقوعه بالكلية. وما ذكرنا سابقا ـ من صحة الاستدلال بالقسم الأول من قسمي البراءة الأصلية على نفي الوجوب في فعل وجودي ـ لا باعتبار عدم الحكم واقعا بل لعدم وصول الحكم وللزوم تكليفنا بذلك مع عدم العلم بالحكم للحرج المنفي بالآية والرواية ، وللاخبار المشار إليها ثمة. نعم ما ذكروه يتم عندنا فيما تعم به البلوى من الأحكام كما نبه على ذلك جملة من علمائنا الاعلام (١) واليه أشار المحقق في المعتبر حيث قال في بيان معاني الاستصحاب : «الثاني ـ ان يقال : عدم الدليل على كذا فيجب نفيه. وهذا يصح فيما يعلم انه لو كان هناك دليل لظفر به ، اما لا مع ذلك فإنه يجب التوقف» انتهى.
(الثالث) ـ استفاضة الأخبار بتثليث الأحكام «حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك». ولو تم ما ذكروا من العمل بالبراءة الأصلية المقتضي لدخول ما دلت عليه في الحلال البين ، لم يبق للقسم الثالث فرد يندرج تحته ولما كان للتثليث وجه ، بل يتعين القول بالتثنية وهو الحلال والحرام خاصة ، والاخبار بخلافه.
(الرابع) ـ الأخبار المتكاثرة بل المتواترة معنى انه مع عدم العلم بالحكم الشرعي يجب السؤال منهم (عليهمالسلام) أو من نوابهم ، والا فالتوقف والوقوف على جادة الاحتياط. ولو كان للعمل بالبراءة الأصلية أصل في الشريعة لما كان لأمرهم (عليهمالسلام) بالتوقف وجه.
__________________
(١) من ان عدم الدليل يدل على العدم ـ والتمسك بالبراءة الأصلية على عدم الحكم واقعا ـ يتم عندنا في الأحكام التي تعم بها البلوى ، كوجوب قصد السورة ووجوب نية الخروج من الصلاة بالتسليم ونحوهما ، فان المحدث الماهر ـ إذا تتبع الأدلة حق تتبعها في مسألة لو كان فيها حكم مخالف للأصل لاشتهر لعموم البلوى بها ، ولم يظفر بما يدل على ذلك ـ يحصل له الجزم أو الظن القوى عند بعض بعدم الحكم. وتحقيق القول فيما اجملنا هنا يرجع فيه الى كتابنا الدرر النجفية ، حيث ان المسألة فيه قد أعطيناها حقها من التحقيق ووفيناها ما هو بها حقيق (منه رحمهالله).