(الأول) ـ ان ما عداه قول بلا دليل فيجب إطراحه ، وأدلة الخصم لا تنهض بالدلالة كما سيتضح لك ان شاء الله تعالى.
(الثاني) ـ استفاضة الاخبار بان لله في كل واقعة حكما شرعيا مخزونا عند أهله حتى أرش الخدش والجلدة ونصف الجلدة ، وحينئذ فإذا كان جميع الأحكام قد ورد فيها خطاب شرعي فكيف يصح التمسك بأصالة العدم والاستدلال به؟ نعم الاستدلال بذلك انما يتجه على مذهب المخالفين القائلين بأن جميع ما جاء به النبي (صلىاللهعليهوآله) أظهره للصحابة ولم يكتم شيئا منه لا عن الأبيض ولا الأسود ، ولا خص أحدا دون أحد بشيء من علومه ، ولم تقع بعده فتنة أوجبت إخفاء شيء مما جاء به (صلىاللهعليهوآله) فالمجتهد إذا فحص وفتش عن الأدلة الشرعية ولم يقف على دليل ذلك الحكم يجب عنده الجزم بنفي ذلك الحكم ويكون التمسك بالبراءة الأصلية على نفيه ، كما قالوا : عدم وجود المدرك للحكم الشرعي مدرك شرعي لعدم الحكم ، وبعبارة أخرى عدم وجود الدليل دليل على العدم. واما عندنا معاشر الإمامية فحيث استفاض في أخبارنا ـ بل صار من ضروريات ديننا ـ إنه أودع علومه عند أهل بيته وخصهم بها دون غيرهم ، واستفاض ايضا انه لم يبق شيء من الأحكام جزئي ولا كلي إلا وقد ورد فيه خطاب شرعي وحكم إلهي وان جميع ذلك عندهم ، وانهم كانوا في زمن تقية وفتنة ، فقد يجيبون عن السؤال بما هو الحكم الشرعي الواقعي تارة وقد يجيبون بخلافه تقية وقد لا يجيبون أصلا ، فلا يتجه اجراء هذا الكلام ولا صحته في هذا المقام (١) ، ولا تمام هذه القاعدة ولا ما يترتب عليها من الفائدة ، ولا يمكن التمسك بالعدم الأصلي الذي هو عبارة عن عدم تعلق التكليف
__________________
(١) إذ الفرض انه لا حكم من الأحكام إلا وقد ورد فيه خطاب شرعي وان كان لم يصل إلينا ، فكيف يقال : الأصل براءة الذمة وخلوها لعدم الدليل واقعا ، بمعنى انها إذا لوحظت مع قطع النظر عن تعلق التكليف فالراجح الحكم بخلوها وبراءتها؟ (منه رحمهالله).