في الأواني ونحوها ـ طاهر مطلقا ، أو نجس مطلقا ، أو معفو عنه ، أو طاهر ما دام في المحل ونجس بعد الانفصال؟ أقوال :
ظاهر المشهور الأول ، وهو الظاهر من الأدلة كما قدمنا ذكره.
ومقتضى القول الخامس هو الثاني. وقد عرفت ما فيه.
ونقل عن ظاهر المحقق في المعتبر الثالث. وفيه إشكال ، فإن عبارته في هذا المقام لا تخلو من الإبهام ، وذلك فإنه ـ بعد ان اختار النجاسة في غسالة إناء الولوغ ونقل عن الشيخ الحكم بالطهارة ، واحتجاجه بأنه لو كان المنفصل نجسا لما طهر الإناء ، لأنه كان يلزم نجاسة البلة الباقية بعد المنفصل ثم ينجس الماء الثاني بنجاسة البلة وكذا ما بعده ـ قال : «والجواب ان ثبوت الطهارة بعد الثانية ثابت بالإجماع فلا يقدح ما ذكره ، ولانه معفو عنه دفعا للحرج» انتهى. ولا ريب ان حكمه بالطهارة التي ادعى عليها الإجماع مناف للعفو الذي هو عبارة عن النجاسة وان سلب حكمها. ولا مجال لحمل العفو هنا على المعنى الذي ذكروه في الاستنجاء ، إذ الكلام في تأثر الملاقي لهذه البلة بالنجاسة وعدمه ، لا في رفع الحدث والخبث ونحوهما وعدمه.
والذي يظهر لي ان مراده بالعفو هنا ليس هو المعنى المصطلح بل التنبيه على بيان ان الحكم بالطهارة إنما هو من قبيل الرخص الواردة في الشريعة ، إذ مقتضى كلية نجاسة الماء القليل بالملاقاة هو النجاسة ، لكنه لما كان اللازم من النجاسة هنا الحرج عفى الشارع عن النجاسة وحكم بالطهارة دفعا للعسر والحرج ، ولا يبعد ايضا حمل عبارته المتقدمة في الاستنجاء على ذلك ، وبه يرتفع التناقض الذي أوردناه عليها ثمة. وبالجملة فالظاهر عندي من عبارته هنا هو الحكم بطهارة البلة الباقية وان كانت العلة هو العفو ، وإلا لتناقض طرفا كلاميه. نعم ذكر المحقق المولى الأردبيلي (عطر الله مرقده) العفو في هذا المقام احتمالا ، حيث قال : «وإذا خرج منه ما يمكن الإخراج عادة بقي المحل مع ما فيه طاهرا أو عفوا ، للضرورة والحرج والسهلة» انتهى.