على إبطال العمل بالاستصحاب ـ ما حاصله : ان في الاستصحاب جمعا بين حالين مختلفين في حكم من غير دلالة ، فانا إذا كنا أثبتنا الحكم في الحالة الأولى بدليل فالواجب ان ننظر ، فان كان الدليل يتناول الحالين ، سوينا بينهما فيه إلا أنه ليس من الاستصحاب في شيء ، وان كان تناول الدليل إنما هو للحالة الأولى فقط والثانية عارية عن الدليل ، فلا يجوز إثبات مثل الحكم لها من غير دليل ، وجرت هذه الحالة مع الخلو عن الدليل مجرى الأولى لو خلت من دلالة ، فإذا لم يجز إثبات الحكم للأولى إلا بدليل فكذلك الثانية. انتهى. وهو جيد.
و (ثالثها) ـ ان الفقهاء عملوا باستصحاب الحال في كثير من المسائل ، والموجب للعمل هناك موجود في موضع الخلاف ، وذلك كمسألة من تيقن الطهارة وشك في الحدث فإنه يعمل على يقينه. وجوابه انه قياس مع وجود الفارق ، لان الاستصحاب المقاس عليه من القسم الثاني من الأقسام المتقدمة ، والفرق بينه وبين ما نحن فيه ظاهر. (أما أولا) ـ فإن محل الاستصحاب المتنازع فيه هو الحكم الشرعي ، وذلك القسم محل الاستصحاب فيه جزئيات الحكم الشرعي ، والشارع قد أوجب في الحكم الشرعي البناء على العلم واليقين دون جزئيات الحكم ، فان الحكم فيها مختلف كما أوضحناه في محل أليق (١) و (اما ثانيا) ـ فلأن الاستصحاب المقاس عليه ليس هو في التحقيق من الاستصحاب في شيء كما صرح به علم الهدى (رضياللهعنه) فيما تقدم من كلامه ، بل هو عمل بإطلاق الدليل أو عمومه ، لأن قوله ـ : «لا تنقض اليقين بالشك. ولا تنقضه إلا بيقين آخر». وقوله : «كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر». ونحو ذلك ـ دال على ثبوت تلك الأحكام في جميع الأحوال والأزمان الى ان يحصل يقين وجود الرافع ، بخلاف الاستصحاب المتنازع فيه ، فان الدليل ـ كما عرفت ـ إنما دل
__________________
(١) قد أوضحنا ذلك حسبما يراد على وجه لا يتطرق إليه الإيراد في كتاب الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية ، وفقنا الله تعالى لإتمامه (منه قدسسره).