وبما انّ معاداة الرسول وحدها كافية في الجزاء وهذا يكشف عن انّ المعطوف عبارة أُخرى عن المعطوف عليه ، والمراد من اتّباع غير سبيل المؤمنين هو شقاق الرسول ومعاداته وليس أمراً مغايراً معه كما حسبه المستدل.
وثانياً : أنّ سبيل المؤمنين في عصر الرسول هو نفس سبيل الرسول ، فحجّية السبيل الأوّل لأجل وجود المعصوم بينهم وموافقته معه فلا يدلّ على حجّية مطلق سبيل المؤمنين بعد مفارقته عنهم.
ومنها : قوله سبحانه :(وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً). (١)
وجه الاستدلال : انّ الوسط من كلّ شيء خياره ، فيكون تعالى قد أخبر عن خيرية هذه الأُمّة ، فإذا أقدموا على شيء من المحظورات لما وُصِفُوا بالخيرية فيكون قولهم حجة.
يلاحظ عليه : أنّ وصف جميع الأُمّة بالخير والعدل مجاز قطعاً ، فإنّ بين الأُمّة من بلغ في الصلاح والرشاد إلى درجة يُستدرُّ بهم الغمام ، وفي الوقت نفسه فيها من بلغ في الشقاء إلى درجة خضّب الأرض بدماء الصالحين والمؤمنين ، ومع ذلك كيف تكون الأُمّة بلا استثناء خياراً وعدلاً ، وتكون بعامة أفرادها شهداء على سائر الأُمم ، مع أنّ كثيراً منهم لا تقبل شهادتهم في الدنيا فكيف في الآخرة.
يقول الإمام الصادق (عليهالسلام) في تفسير الآية : «فإن ظننت انّ الله عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحّدين ، أفترى أنّ من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر ، تُطلب شهادته يوم القيامة وتقبل منه بحضرة جميع الأُمم الماضية؟!». (٢)
وهذا دليل على أنّ الوسطية وصف لعدة منهم ، ولمّا كان الموصوف بالوسطية
__________________
(١). البقرة : ١٤٣.
(٢). البرهان في تفسير القرآن : ١٦٠ / ١.