القدماء ، بحيث لو حذفنا الشهرة عن عداد الأدلّة ، لأصبحت تلك المسائل فتاوى فارغة مجرّدة عن الدليل.
ويظهر من غير واحد من الروايات أنّ أصحاب أئمّة أهل البيت كانوا يقيمون وزناً للشهرة الفتوائية السائدة بينهم ويقدّمونها على نفس الرواية التي سمعوها من الإمام (عليهالسلام) ، ولنأت بنموذج :
روى عبد الله بن محرز بيّاع القلانس قال : أوصى إليّ رجل وترك خمسمائة درهم أو ستمائة درهم ، وترك ابنة ، وقال : لي عصبة بالشّام ، فسألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن ذلك فقال : أعط الابنة النصف ، والعصبة النصف الآخر ، فلمّا قدمت الكوفة أخبرت أصحابنا فقالوا : اتّقاك ، فأعطيت الابنة النصف الآخر. ثمّ حججت فلقيت أبا عبد الله (عليهالسلام) فأخبرته بما قال أصحابنا وأخبرته أنّي دفعت النصف الآخر إلى الابنة ، فقال : أحسنت إنّما أفتيتك مخالفة العصبة عليك .. (١)
توضيح الرواية : انّه إذا توفّي الأب ولم يكن له وارث سوى البنت ، فالمال كلّه لها ، غاية الأمر : النصف الأوّل فرضاً والنصف الآخر ردّاً.
ولكن أهل السنّة يورّثون البنت في النصف والعصبةَ في النصف الآخر ، وقد كان حكم الإمام في اللقاء الأوّل بما يوافق فتوى العامة ، ولمّا وقف الراوي على أنّ المشهور بين أصحاب الإمام غير ما سمعه ترك قول الإمام وعمل بما هو المشهور عند أصحابه. فلولا أنّ للشهرة الفتوائية قيمة علمية لما عمل الراوي بقول الأصحاب ، وهذا يدلّ على أنّه كانت للشهرة الفتوائية يومذاك مكانة عالية إلى حدّ ترك الراوي القولَ الذي سمعه من الإمام وقد أخبر الإمام عند وفد إليه في العام القادم وهو عليه صحّح عمله.
__________________
(١). الوسائل : ١٧ ، الباب ٥ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، الحديث ٤.