يلاحظ عليه : أنّ إخباره عن موارد الاستعمال فضلاً عن إخباره عن المعنى الحقيقي في مقابل المعنى المجازيّ ليس مجرداً عن إعمال النظر والاجتهاد ، بل هو مزيج بالحدس ، ويدلّ على ذلك انّ أصحاب المعاجم يستشهدون على إثبات مقاصدهم بالآيات والأحاديث النبوية والأشعار ، فيستخرجون موارد الاستعمال ببركة الإمعان فيها ، فالجلُّ لو لا الكل مزيج بالاجتهاد ويتّضح ذلك لمن سَبَرَ كتب اللغة ، فالحق حجّية قولهم من باب انّهم أهل الخبرة.
وقد أورد على هذا القول بعدم حجّية هذه السيرة ، لعدم وجودها في زمان المعصومين (عليهمالسلام) ، فإنّ الرجوع إلى كتب اللغويين أمر حادث. (١)
يلاحظ عليه : بوجود هذه السيرة (أي الرجوع إلى أئمّة اللغة وكتبهم) في عصر أئمّة أهل البيت (عليهمالسلام) ، وهذا هو الخليل بن أحمد الفراهيدي من أصحاب الإمام الصادق (عليهالسلام) وقد أدرك عصر الإمام الكاظم (عليهالسلام) ألّف كتابه العين ليرجع إليه الناس ، وقد توفّي عام ١٧٠ ه ، وكان مرجعاً في اللغة.
وكان الأصمعي (المتوفّى ٢٠٧ ه) المرجع في اللغة والأدب ، وكان الناس يسألونه عن معاني الألفاظ ، وقد سئل يوماً عن الألمعيّ فأنشد :
الألمعيّ الذي يظن بك |
|
الظن كأن قد رأى وقد سمعا |
وكان ابن عباس المرجعَ الكبير في تفسير لغات القرآن ، وكان يقول : الشعر ديوان العرب ، فإذا خفي علينا الحرف من القرآن الذي أنزله بلغة العرب رجعنا إلى ديوانه ، فالتمسنا معرفة ذلك منه ثمّ قال : إذا سألتموني عن غريب القرآن ، فالتمسوه في الشعر ، فإنّ الشعر ديوان العرب.
وكان يُسأل عن القرآن فينشد فيه بالشعر ، وقد سأله نافع بن الأزرق عن
__________________
(١). تهذيب الأُصول : ٩٧ / ٢.