أبني أميّة أين أقمار الدّجى |
|
منكم؟ وأين نجومها والكوكب؟ |
غابت أسود منكم عن غابها |
|
فلذاك حاز الملك هذا الثّعلب |
مع أن للمنصور مفاخر ، بذّ بها (١) الأوائل والأواخر ، من المثابرة على جهاد العدو ، وتكرار الذهاب بنفسه في الرواح والغدوّ ، وله مع المصحفي وغيره أخبار مرت ويأتي بعضها ، ولا بأس أن نلخص ترجمة المصحفي فنقول :
قال الفتح في المطمح (٢) : الحاجب جعفر المصحفي ـ تجرّد للعليا ، وتمرد في طلب الدنيا ، حتى بلغ المنى ، وتسوّغ ذلك الجنى ، فسما دون سابقة ، وارتمى إلى رتبة لم تكن لبنيته بمطابقة ، والتاح (٣) في أفياء الخلافة (٤) ، وارتاح إليها بعطفه (٥) كنشوان السّلافة (٦) ، واستوزره المستنصر ، وعنه كان يسمع وبه كان يبصر ، فأدرك بذلك ما أدرك ، ونصب لأمانيه الحبائل والشّرك ، واقتنى وادخر ، وأزرى بمن سواه وسخر ، واستعطفه المنصور محمد (٧) بن أبي عامر ونجمه بعد غائر لم يلح ، وسره مكتوم لم يبح ، فما عطف ، ولا جنى من روضة دنياه ولا قطف ، فأقام في تدبير الأندلس ما أقام والأندلس متغيرة ، والأذهان في تكيف سعده متحيرة ، فناهيك من ذكر خلد ، ومن فخر تقلد ، ومن صعب راض ، وجناح فتنة هاض ، ولم يزل بنجاد تلك الخلافة معتقلا ، وفي مطالعها منتقلا ، إلى أن توفي الحكم ، فانتقض عقده المحكم ، وانبرت إليه النوائب ، وتسدّدت إليه من الخطوب سهام صوائب ، واتّصل إلى المنصور ذلك الأمر ، واختص به كما مال بيزيد أخوه الغمر ، وأناف في تلك الخلافة كما شبّ قبل اليوم عن طوقه عمرو ، وانتدب للمصحفي بصدر قد (٨) كان أوغره ، وساءه وصغّره ، فاقتصّ من تلك الإساءة ، وأغصّ حلقه بأي مساءة ، فأخمله ونكبه ، وأرجله عما كان الدهر أركبه ، وألهب جوارحه (٩) حزنا ، ونهب له مدّخرا ومختزنا ، ودمّر عليه ما كان حاط ، وأحاط به من مكروهه ما أحاط ، وغبر سنين في مهوى تلك النكبة ، وجوى تلك الكربة ، ينقله المنصور معه في غزواته ويعتقله بين ضيق المطبق ولهواته ، إلى أن تكوّرت شمسه ، وفاظت بين أثناء المحن نفسه (١٠) ، ومن بديع ما حفظ له في نكبته ، قوله يستريح من كربته : [الطويل]
__________________
(١) بذّ : تفوق ، غلب ، سبق.
(٢) المطمح ص ٤.
(٣) في ب : فالتاج ..
(٤) في ه : في أفق الخلافة.
(٥) في ه : إليه معطفه.
(٦) السلافة : أفضل الخمر.
(٧) محمد : غير موجودة في ب.
(٨) في ب : بصدر كان.
(٩) في ه : جوانحه.
(١٠) فاضت نفسه : مات.