بجبل الزمرذ (١) ، وقال عن كتاب ابن حوقل : الفسطاط مدينة عظيمة (٢) ، ينقسم النيل لديها ، وهي كبيرة ، ومقدارها نحو فرسخ ، على غاية العمارة والطيب واللذة ذات رحاب في محالّها ، وأسواق عظام فيها ضيق ، ومتاجر فخام ، ولها ظاهر أنيق ، وبساتين نضرة ، ومنتزهات على ممر الأيام خضرة ، وفي الفسطاط قبائل وخطط للعرب تنسب إليها كالكوفة والبصرة ، إلا أنها أقل من ذلك ، وهي سبخة الأرض ، غير نقية التربة ، وتكون الدار بها سبع طبقات وخمسا وستا ، وربما يسكن في الدار المائتان من الناس ، ومعظم بنيانهم بالطوب ، وأسفل دورهم غير مسكون ، وبها مسجدان للجمعة ، بنى أحدهما عمرو بن العاص في وسط الفسطاط ، والآخر على الموقف بناه ابن طولون ، وكان خارج الفسطاط أبنية بناها أحمد بن طولون ميلا في ميل يسكنها جنده ، وتعرف بالقطائع ، كما بنى بنو الأغلب خارج القيروان رقّادة ، وقد خربتا في وقتنا هذا ، وأخلف الله بدل القطائع بظاهر مدينة الفسطاط القاهرة.
قال ابن سعيد : لما استقررت بالقاهرة تشوّقت (٣) إلى معاينة الفسطاط ، فسار معي إليها أحد أصحاب القرية ، فرأيت عند باب زويلة من الحمير المعدّة لركوب من يسير إلى الفسطاط جملة عظيمة ، لا عهد لي بمثلها في بلد ، فركب منها حمارا ، وأشار إلي أن أركب حمارا آخر ، فأنفت من ذلك جريا على عادة ما خلفته في بلاد المغرب ، فأخبرني أنه غير معيب على أعيان مصر ، وعاينت الفقهاء وأصحاب البزة والشارة الظاهرة (٤) يركبونها ، فركبت ، وعند ما استويت راكبا أشار المكاري إلى الحمار ، فطار بي ، وأثار من الغبار الأسود ما أعمى عيني ، ودنس ثيابي ، وعاينت ما كرهته ، ولقلة معرفتي بركوب الحمار وشدة عدوه على قانون لم أعهده ، وقلة رفق المكاري ، وقعت في تلك الظلمة المثارة من ذلك العجاج ، فقلت : [بحر المتقارب]
لقيت بمصر أشدّ البوار |
|
ركوب الحمار وكحل الغبار |
وخلفي مكار يفوق الريا |
|
ح لا يعرف الرفق مهما استطار |
أناديه مهلا فلا يرعوي |
|
إلى أن سجدت سجود العثار |
وقد مد فوقي رواق الثرى |
|
وألحد فيها ضياء النهار |
فدفعت إلى المكاري أجرته ، وقلت له : إحسانك أن تتركني أمشي على رجلي ومشيت
__________________
(١) في ه : «الزمرد».
(٢) في ب : «حسنة».
(٣) في ب : «تشوفت».
(٤) أصحاب البزة والشارة الظاهرة : أراد العلماء وكبار الرجال.