فلا تلم يا صاح من بعد ذا |
|
إذا تمثّلت بحال الجريض(١) |
ورأيت بخطه رحمه الله تعالى مما نسبه جده القطب الخيضري الحافظ لإبراهيم بن نصر الحموي ثم المصري المعروف بابن الفقيه : [مجزوء الرمل]
يا زمانا كلّما حا |
|
ولت أمرا يتمنّع |
إن تعصّبت فإنّي |
|
باصطباري أتقنّع |
وهذه تورية بديعة للغاية في التعصب والتقنع ، مع حلاوة النظم وجودة السبك وخفة الوزن ، والله سبحانه يروّح تلك الأرواح في الجنان ، ويعاملنا وإياهم بمحض الفضل والامتنان ، ويكفينا شجون دهر جرى بنا طلق العنان!!.
رجع إلى ما كنا فيه ـ وكنت وقفت في كلام بعض العلماء على أن البيتين السابقين المنسوبين إلى أمير المؤمنين الناصر المرواني ـ رحمه الله تعالى! ـ قالهما في الزهراء التي بناها ، وسيأتي ذكرها قريبا ، وقال الشيخ سيدي محيي الدين بن العربي في المسامرات : قرأت على مدينة الزهراء بعد خرابها وصيرورتها مأوى الطير والوحش ، وبناؤها عجيب في بلاد الأندلس ، وهي قريبة من قرطبة ، أبياتا تذكر العاقل ، وتنبه الغافل ، وهي : [الطويل]
ديار بأكناف الملاعب تلمع |
|
وما إن بها من ساكن وهي بلقع(٢) |
ينوح عليها الطّير من كلّ جانب |
|
فيصمت أحيانا وحينا يرجّع(٣) |
فخاطبت منها طائرا متغرّدا |
|
له شجن في القلب وهو مروّع |
فقلت : على ما ذا تنوح وتشتكي؟ |
|
فقال : على دهر مضى ليس يرجع |
ثم قال : وأخبرني بعض مشايخ قرطبة عن سبب بناء مدينة الزهراء أن الناصر ماتت له سرّيّة ، وتركت مالا كثيرا ، فأمر أن يفك بذلك المال أسرى المسلمين ، وطلب في بلاد الإفرنج أسيرا فلم يوجد ، فشكر الله تعالى على ذلك ، فقالت له جاريته الزهراء ـ وكان يحبها حبا شديدا ـ : اشتهيت لو بنيت لي به مدينة تسميها باسمي ، وتكون خاصة لي ، فبناها تحت جبل العروس من قبلة الجبل ، وشمال قرطبة ، وبينها وبين قرطبة اليوم ثلاثة أميال أو نحو ذلك ، وأتقن بناءها ، وأحكم الصنعة فيها ، وجعلها مستنزها ومسكنا للزهراء وحاشية أرباب دولته ،
__________________
(١) الجريض : الغصة. والشاعر هنا يشير إلى المثل القائل : حال الجريض دون القريض.
(٢) البلقع : القفر ، الخالية التي لا شيء فيها.
(٣) رجع الطائر : ردد صوته في حلقه.