الباب الخامس
في التعريف ببعض من رحل من الأندلسيين إلى بلاد المشرق الزاكية العرار (١) والبشام (٢) ، ومدح جماعة من أولئك الأعلام ، ذوي العقول الراجحة والأحلام (٣) ، لشامة وجنة الأرض دمشق الشام (٤) ، وما اقتضته المناسبة من كلام أعيانها ، وأرباب بيانها ، ذوي السؤدد والاحتشام ، ومخاطبتهم للفقير المؤلف حين حلّها سنة ألف وسبع وثلاثين للهجرة ، وشاهد برق فضلها المبين وشام (٥).
اعلم ـ جعلني الله تعالى وإياك ممن له للمذهب الحق انتحال (٦)! ـ أنّ حصر أهل الارتحال ، لا يمكن بوجه ولا بحال ، ولا يعلم ذلك على الإحاطة إلا علام الغيوب الشديد المحال (٧) ، ولو أطلنا (٨) عنان الأقلام فيمن عرفناه فقط من هؤلاء العلماء (٩) الأعلام ، لطال الكتاب وكثر الكلام ، ولكنا نذكر منهم لمعا على وجه التوسط من غير إطناب داع إلى الملال واختصار مؤدّ للملام ، فنقول مستمدين من واهب العقول :
__________________
(١) العرار ، بفتح العين والراء : نبات طيب الرائحة. ويقال : ه النرجس البري ، وفيه قيل :
تمتع من شميم عرار نجد |
|
فما بعد العشية من عرار |
(٢) البشام ، بفتح الباء : شجر طيب الرائحة والمذاق ، صغير الورق ، لا ثمر له وفيه قال جرير بن عطية الخطفي :
أتذكر يوم تصقل عارضيها |
|
بعود بشامة؟ سقي البشام |
(٣) الأحلام : العقول ، جمع حلم.
(٤) الشامة : علامة في البدن تخالف لونه. ووجنة الأرض : خدّها.
(٥) شام : نظر.
(٦) انتحال المذهب : اتخاذه والقول به.
(٧) شديد المحال : شديد القوة والتدبير. وفي التنزيل العزيز : (وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) [الرعد : ١٣].
(٨) في ب ، ه : أطلقنا.
(٩) كلمة «العلماء» غير موجودة في ب ، ه.