حمى مريعا منيعا ، وعدنا والعود في مثلها أحمد ، وقد بعد من شفاء النفوس الأمد ، ونسخ بالسرور الكمد ، ورفعت من عز الإسلام العمد ، والحمد لله حمد الشاكرين ، ومنه نلتمس عادة النصر على أعدائه فهو خير الناصرين ، عرفناكم به ليسر دينكم المتين ، ومجدكم الذي راق منه الجبين ، والله يصل سعدكم ، ويحرس مجدكم ، ويبلغكم أملكم من فضله ، وقصدكم بمنه وطوله (١) ، والسلام الكريم يخصكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، انتهى.
رجع إلى ما كنا بسبيله من أخبار قرطبة الجليلة الوصف ، وذكر جامعها البديع الإتقان والرصف ، فنقول :
قد شاع وذاع على ألسنة الجم الغفير من الناس في هذه البلاد المشرقية وغيرها أن في جامع قرطبة ثلاثمائة ونحو ستين طاقا ، على عدد أيام السنة ، وأن الشمس تدخل كل يوم من طاق ، إلى أن يتم الدور ثم تعود ، وهذا شيء لم أقف عليه في كلام المؤرخين من أهل المغرب والأندلس ، ولو كان كما شاع لذكروه وتعرضوا له ، لأنه من أعجب ما يسطر ، مع أنهم ذكروا ما هو دونه ، فالله أعلم بحقيقة الحال في ذلك ، وستأتي في الباب السابع رسالة الشقندي الطويلة وفيها من محاسن قرطبة وسائر بلاد الأندلس الطّم والرّم (٢) ، وقد ذكرنا في الباب الأول جملة من محاسن قرطبة ، فأغنى ذلك عن إعادتها هنا ، على أن رسالة الشّقندي تكرر فيها بعض ما ذكرناه ، لأنا لم نرد أن نخل منها بحرف ، فأتينا بها بلفظها ، وإن تكرر بعض ما فيها مع بعض ما أسلفناه ، والعذر واضح للمنصف المغضي ، والله نسأل سلوك السبيل الذي يرضي ، بمنه وكرمه.
وقال صاحب «نشق الأزهار» : إن في جامع قرطبة تنّورا من نحاس أصفر يحمل ألف مصباح ، وفيه أشياء غريبة ، من الصنائع العجيبة ، يعجز عن وصفها الواصفون ، قيل : أحكم عمله في سبع سنين ، وفيه ثلاثة أعمدة من رخام أحمر ، مكتوب على الواحد اسم محمد ، وعلى الآخر صورة عصا موسى وأهل الكهف ، وعلى الثالث صورة غراب نوح عليه الصلاة والسلام ، الثلاثة خلقها الله تعالى ولم يصنعها صانع ، انتهى.
قلت : لم أر أحدا من محققي المؤرخين للأندلس وثقاتهم ذكر هذا ، على قلة اطلاعي ، وهو عندي بعيد ، لأنه لو كان لذكره الأئمة.
وقد حكى القاضي عياض (٣) في الشفاء أشياء وجد عليها اسم نبينا صلى الله عليه وسلم ، ولم يذكر هذا ،
__________________
(١) الطّول : النفل والغنى.
(٢) يقال : فيها الطم والرّم : أي كل شيء.
(٣) القاضي عياض : هو عياض بن موسى ، اليحصبي ، السبتي ، المالكي ، محدث حافظ مؤرخ ناقد مفسر فقيه أصولي ، عالم بالنحو شاعر خطيب توفي في مراكش سنة ٥٤٣ ه (معجم المؤلفين ٨ / ١٦).