وتبحر في المعارف بسببها ، مع حظ من الأدب كثير ، واختصاص بنظيم منه ونثير ، حج وبرع ، في الزهادة والورع ، فتعلق بأستار الكعبة يسأل الله الشهادة ثم فكر في القتل ومرارته ، والسيف وحرارته ، فأراد أن يرجع ويستقيل الله تعالى فاستحيا ، وآثر نعيم الآخرة على شقاء الدنيا ، فأصيب في تلك الفتن مكلوما ، وقتل مظلوما ، ثم ذكر مثل ما مر.
ومما قال في طريقه إلى قرطبة يتشوق (١) إلى فريقه : [الطويل]
مضت لي شهور منذ غبتم ثلاثة |
|
وما خلتني أبقى إذا غبتم شهرا |
وما لي حياة بعدكم أستلذّها |
|
ولو كان هذا لم أكن في الهوى حرّا |
ولم يسلني طول التّنائي عليكم |
|
بلى زادني وجدا وجدّد لي ذكرا(٢) |
يمثّلكم لي طول شوقي إليكم |
|
ويدنيكم حتّى أناجيكم سرّا |
سأستعتب الدّهر المفرّق بيننا |
|
وهل نافعي أن صرت أستعتب الدّهرا |
أعلّل نفسي بالمنى في لقائكم |
|
وأستسهل البرّ الّذي جبت والبحرا |
ويؤنسني طيّ المراحل عنكم |
|
أروح على أرض وأغدو على أخرى |
وتالله ما فارقتكم عن قلى لكم |
|
ولكنّها الأقدار تجري كما تجرى (٣) |
رعتكم من الرّحمن عين بصيرة |
|
ولا كشفت أيدي النّوى عنكم سترا |
وقد عرف به ابن حيان في المقتبس ، وذكر قصة شهادته ، رحمه الله تعالى!.
٧٣ ـ ومنهم الشيخ أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله ، البكري ، الشريشي ، المالكي(٤).
ولد بشريش سنة ٦٠١ ، ورحل إلى العراق ، فسمع به المشايخ كالقطيعيّ وابن روزبة (٥) وابن الكثير وغيرهم ، واشتغل وساد أهل زمانه ، واشتهر بين أقرانه ، ثم عاد إلى مصر فدرس بالفاضلية ، ثم انتقل إلى القدس الشريف ، فأقام به شيخ الحرم ، ثم جاء إلى دمشق المحروسة بالله ، وتولى مشيخة الحديث بتربة أم صالح ومشيخة الرباط الناصري ومشيخة المالكية ،
__________________
(١) في ب : وما قاله في طريقه يتشوق إلى فريقه.
(٢) التنائي : التباعد.
(٣) القلى : البغض.
(٤) انظر ترجمته في شذرات الذهب ج ٥ ص ٢٩٢.
(٥) في ه : ابن زوربة.