ببقاعه (١) ، وكم تشوف إليه السرير والمنبر ، وتصرف فيه الثناء المحبّر ، وكم راع البدر ليلة إبداره ، وروّع العدو في عقر داره ، وأي فتى غدا له البحر ضريحا ، وأعدى عليه الحين ماء وريحا ، فبدل من ظلل على ومفاخر ، بقعر بحر طامي اللجج زاخر ، وبدل من صهوات الخيل ، بلهوات اللجج والسّيل ، غريق حكى مقلتي في دمعها ، وأصاب نفسي في سمعها ، ومن حزن لا أستسقي له الغمام فما له قبر تجوده ، ولا ثرى تروي به تهائمه ونجوده ، وقد آليت أن لا أودع الريح تحية ، ولا يورثني هبوبها أريحية ، فهي التي أثارت في الموج حنقا (٢) ، ومشت عليه خببا وعنقا (٣) ، حتى أعادته كالكثبان (٤) ، وأودعته قضيب بان ، فيا أسفا لزلال غاض في أجاج ، ولسلسال فاض عليه بحر عجّاج ، وما كان إلا جوهرا ذهب إلى عنصره ، وصدفا بان عن عين مبصره ، لقد آن للحسام أن يغمد فلا يشام (٥) ، وللحمام أن تبكيه بكل أراكة وبشام (٦) وللعذارى أن لا يحجبهن الخفر والاحتشام ، ينحن فتى ما ذرّت الشمس إلا ضر أو نفع ، ويبكين من لم يدع فقده في العيش من منتفع ، فكم نعمنا بدنوه ، ونسمنا نسيم الأنس في رواحه وغدوّه ، وأقمنا بروضة موشيّة ، ووقفنا بالمسرات عشيّة ، وأدرناها ذهبا سائلة ، ونظرناها وهي شائلة ، لم نرم السهر ، ولم نشم برقا إلا الكأس والزهر ، ولو غير الحمام (٧) زحف إليه جيشه ، أو غير البحر رجف به ارتجاجه وطيشه ، لفداه من أسرته كل أروع (٨) إن عاجله المكروه تثبطه ، أو جاءه الشر تأبطه ، ولكنها المنايا لا تردّها الصّوارم والأسل (٩) ، ولا تفوتها ذئاب الغضا العسّل (١٠) ، قد فرقت بين مالك وعقيل ، وأشرقت بعدهما جذيمة بالحسام الصّقيل ، انتهى.
وقد عرّفنا بالفتح في غير هذا الموضع فليراجع.
رجع إلى بيت بني زهر رحمهم الله تعالى ـ وأما أبو بكر محمد بن أبي مروان عبد الملك بن أبي العلاء زهر المذكور ، فهو عين ذلك البيت ، وإن كانوا كلهم أعيانا علماء رؤساء حكماء وزراء ، وقد نالوا المراتب العلية ، وتقدّموا عند الملوك ، ونفذت أوامرهم ، قال
__________________
(١) في ب : «بيفاعه».
(٢) الحنق : الغيظ.
(٣) الخبب والعنق : ضربان من السير السريع.
(٤) الكثبان : جمع كثيب ، وهو الرمل المتراكم.
(٥) يشام : يسلّ من غمده.
(٦) البشام : شجر طيب الرائحة صغير الورق لا ثمر له.
(٧) الحمام : الموت.
(٨) الأروع : الشهم الذكي.
(٩) الأسل : الرماح.
(١٠) العسل : من كان في لونة غبرة من الذئاب.