قم فاسقني والرّياض لابسة |
|
وشيا من النّور حاكه القطر(٢) |
في مجلس كالسّماء لاح به |
|
من وجه من قد هويته بدر |
والشّمس قد عصفرت غلائلها |
|
والأرض تندى ثيابها الخضر |
والنّهر مثل المجرّ حفّ به |
|
من النّدامى كواكب زهر |
فحللت ذلك المجلس وفيه أخدان ، كأنهم الولدان ، وهم في عيش لدن (٣) ، كأنهم في جنة عدن ، فأنخت لديهم ركائبي وعقلتها ، وتقلدت بهم رغائبي واعتقلتها ، وأقمنا نتنعم بحسنه طول ذلك اليوم ، ووافى الليل فذدنا عن الجفون طروق النوم ، وظللنا بليلة كأن الصبح منها مقدود ، والأغصان تميس كأنها قدود ، والمجرة تتراءى نهرا ، والكواكب تخالها في الجو زهرا ، والثريا كأنها راحة تشير ، وعطارد لنا بالطرب بشير ، فلما كان من الغد وافيت الرئيس أبا عبد الرحمن زائرا ، فأفضنا في الحديث إلى أن أفضى بنا إلى ذكر منتزهنا بالأمس ، وما لقينا فيه من الأنس ، فقال لي : ما بهجة موضع قد بان قطينه وذهب ، وسلب الزمان بهجته وانتهب ، وباد فلم يبق إلا رسمه ، ومحاه الحدثان فما كاد يلوح رسمه (٤) ، عهدي به عند ما فرغ من تشييده ، وتنوهي في تنسيقه وتنضيده ، وقد استدعاني إليه المنصور في وقت (٥) حلت فيه الشمس برج شرفها ، واكتسب فيه (٦) الأرض بزخرفها ، فحللت به والدوح تميس معاطفه ، والنّور يخجله قاطفه ، والمدام تطلع به وتغرب ، وقد حل فيه (٧) قحطان ويعرب ، وبين يدي المنصور مائة غلام ما يزيد أحدهم على العشر غير أربع ، ولا يحل غير الفؤاد من مربع ، وهم يديرون رحيقا ، خلتها في كأسها درّا أو عقيقا ، فأقمنا والشهب تغازلنا ، وكأن الأفلاك منازلنا ، ووهب المنصور في ذلك اليوم ما يزيد على عشرين ألفا من صلات متصلات ، وأقطع ضياعا ثم توجع لذلك العهد ، وأفصح بما بين ضلوعه من الوجد ، وقال : [الكامل]
سقيا لمنزلة اللّوى وكثيبها |
|
إذ لا أرى زمنا كأزماني بها |
وما أحسن ما كتب به الفتح إلى بعض الملوك يصف نزهة ببعض منتزهات الأندلس المونقة ، ويذكر استضاءته فيها بشموس المسرة المشرقة ، وهو :
__________________
(١) الأيم : الحية الذكر ، جمع أيوم.
(٢) في ب ، ه : قم سقّني.
(٣) الأخدان : الأصدقاء ، واللدان : ناعم ، لين.
(٤) في ب : وسمه.
(٥) في ب ، ه : في يوم.
(٦) في ب : واكتست الأرض.
(٧) في ب : وقد حل به.