إليكها فاجتلها منيرة |
|
وقد خبا حتّى الشّهاب الثّاقب |
واقفة بالباب لم يؤذن لها |
|
إلّا وقد كاد ينام الحاجب |
فبعضها من المخاف جامد |
|
وبعضها من الحياء ذائب |
فقبلها منه رحمه الله تعالى وعفا عنه وكتب إليه : [الرجز]
قد وصلت تلك الّتي زففتها |
|
بكرا وقد شابت لها ذوائب |
فهبّ حتّى نستردّ ذاهبا |
|
من أنسنا إن استردّ ذاهب |
فركب إليه ، ونقل معه ما كان بالمجلس بين يديه ، وباتا ليلتهما لا يريمان السهر ، ولا يشيمان برقا إلا الكاس والزهر.
ثم قال بعد كلام : وأخبرني الوزير الفقيه أبو أيوب بن أبي أمية أنه مرّ في بعض أيامه بروض مفتر المباسم ، معطّر الرياح النواسم ، قد صقل الربيع حوذانه (١) ، وأنطق بلبله وورشانه (٢) ، وألحف غصونه برودا مخضرة ، وجعل إشراقه للشمس ضرة ، وأزاهره تتيه على الكواكب ، وتختال في خلع الغمائم السواكب ، فارتاح إلى الكون به بقية نهاره ، والتنعم ببنفسجه وبهاره ، فلما حصل من أنسه في وسط المدى ، عمد إلى ورقة كرنب قد بللها النّدى ، وكتب فيها بطرف غصن ناعم (٣) ، يستدعي الوزير أبا طالب بن غانم ، أحد ندمائه ، ونجوم سمائه : [البسيط]
أقبل أبا طالب إلينا |
|
وقع وقوع النّدى علينا |
فنحن عقد بغير وسطى |
|
ما لم تكن حاضرا لدينا |
وقال في ترجمة المعتصم بن صمادح ، ما صورته : وأخبرني الوزير أبو خالد بن بشتغير أنه حضر مجلسه بالصمادحية في يوم غيم وفيه أعيان الوزراء ، ونبهاء الشعراء ، فقعد على موضع يتداخل الماء فيه ، ويلتوي في نواحيه ، والمعتصم منشرح النفس ، مجتمع الأنس ، فقال : [البسيط]
أنظر إلى حسن هذا الماء في صببه |
|
كأنّه أرقم قد جدّ في هربه |
فاستبدعوه ، وتيموه به وأولعوه ، فأسكب عليهم شآبيب نداه ، وأغرب بما أظهره (٤) من بشره وأبداه.
__________________
(١) الحوذان : نبات له زهر أحمر في أصله صفرة.
(٢) الورشان : طائر مغرّد.
(٣) ناعم : غير موجودة في ب.
(٤) في ب : بما ظهر. وفي ج : وأعرب بما ظهر.