تلك الحدائق أربا ، وافتنا منها أترابا عربا (١) ، ملنا إلى موضع المقيل ، ونزلنا بمنازه (٢) تزري بمنازه جذيمة مع مالك وعقيل (٣) ، وعند وصولنا بدا لي من أحد الأصحاب تقصير في المبرة ، عرض لي منه تكدير لتلك العين الثرة (٤) ، فأظهرت التثاقل أكثر ذلك اليوم ، ثم عدلت عنهم إلى الاضطجاع والنوم ، فما استيقظت إلا والسماء قد نسخ صحوها ، وغيم جوها ، والغمام منهمل ، والثرى من سقياه ثمل ، فبسطني بتحفيه ، وأبهجني يبر له لم يزل يتمه (٥) ويوفيه ، وأنشدني : [البسيط]
يوم تجهّم فيه الأفق وانتثرت |
|
مدامع الغيث في خدّ الثّرى هملا |
رأى وجومك فاربدّت طلاقته |
|
مضاهيا لك في الأخلاق ممتثلا |
وقال في ترجمة الوزير القاضي أبي الحسن بن أضحى ، ما نصه : وكان لصاحب البلد الذي كان يتولى القضاء به ابن من أحسن الناس صورة ، وكانت محاسن الأفعال والأقوال عليه مقصورة ، مع ما شئت من لسن ، وصوت حسن ، وعفاف ، واختلاط بالنّبهاء (٦) والتفاف ، فحملنا إلى إحدى ضياعه بقرب من حضرة غرناطة فحللنا قرية على ضفة نهر ، أحسن من شاذمهر (٧) ، تشقّها جداول كالصّلال ، ولا ترمقها الشمس من تكاثف الظلال ، ومعنا جملة من أعيانها فأحضرنا من أنواع الطعام ، وأرانا من فرط الإكرام والإنعام ، ما لا يطاق ولا يحلو (٨) ، ويقصر عن بعضه العد ، وفي أثناء مقامنا بدا لي من ذلك الفتى المذكور ما أنكرته فقابلته بكلام اعتقده ، وملام أحقده (٩) ، فلما كان من الغد لقيت منه اجتنابه ، ولم أر منه ما عهدته من الإنابة ، فكتبت إليه مداعبا ، فراجعني بهذه القطعة : [الطويل]
أتتني أبا نصر نتيجة خاطر |
|
سريع كرجع الطّرف في الخطرات |
فأعربت عن وجد كمين طويته |
|
بأهيف طاو فاتر اللّحظات |
__________________
(١) الأتراب : جمع ترب وهو المساوي لك في السن. والعرب ، بضمتين : جمع عروب ، وهي المرأة المتحببة إلى زوجها.
(٢) في ب ، ه : وزلنا عن منازه.
(٣) جذيمة : هو جذيمة الأبرش ، ومالك وعقيل : نديماه.
(٤) العين الثرة : الكثيرة فيض الماء.
(٥) في ب : يتممه.
(٦) في ب : بالبهاء.
(٧) شاذمهر : منتزه بنيسابور.
(٨) في ب : ولا يحد.
(٩) في ب : بكلام أحقده ، وملام أعتقده.