ثم استيقظ أخوهما أبو الحسن ، وقد هبّ من غفلة الوسن (١) ، فقال : [البسيط]
يا صاحبيّ ذرا لومي ومعتبتي |
|
قم نصطبح خمرة من خير ما ذخروا |
وبادرا غفلة الأيّام واغتنما |
|
فاليوم خمر ويبدو في غد خبر(٢) |
وساق صاحب البدائع هذه القصة فقال : وذكر الفتح ما هذا معناه أنه خرج الوزراء بنو القبطرنة إلى المنية المسماة بالبديع ، وهو روض قد اخضرّت مسارح نباته ، واخضلّت مساري هبّاته ، ودمعت بالطلّ عيون أزهاره ، وذاب على زبرجده بلّور أنهاره ، وتجمعت فيها المحاسن المتفرّقة ، وأضحت مقل الحوادث عنه مطرقة ، فخيول النسيم تركض في ميادينه فلا تكبو ، ونصول السواقي تحسم أدواء الشجر فلا تنبو ، والزروع قد نقّبت وجه الثرى ، وحجبت الأرض عن العيون فما تبصر ولا ترى ، وكان المتوكل بن الأفطس يعده غاية الأرب ، ويعدّه مشهدا للطرب ، ومدفعا للكرب ، فباتوا فيه ليلتهم يديرون لمع لهب يتمنون فيه الخلود ، ويتحسّون (٣) ذوب ذهب لا يصهر به ما في بطونهم والجلود ، حتى تركتهم ابنة الخابية ، كأنهم أعجاز نخل خاوية ، فلما هزم روميّ الصباح زنجيّ الظلام ، ونادى الديك حيّ على المدام ، انتبه كبيرهم أبو محمد مستعجلا ، وأنشد مرتجلا : يا شقيقي ـ إلخ فانتبه أخوه أبو بكر لصوته ، وتخوّف لذهاب ذلك الوقت وفوته ، وأنبه أخاهما أبا الحسن وهو يرتجل : يا أخي قم تر النسيم ـ إلى آخره. فانتبه أخوه لكلامه ، دافعا لذة منامه للذة قيامه ، وارتجل يا صاحبيّ ذرا ـ إلخ ، انتهى.
قال الفتح (٤) : ولما أمر المعتمد بن عباد أبا بكر بن القبطرنة السابق الذكر مع الوزير أبي الحسين بن سراج بلقاء ذي الوزارتين أبي الحسن بن اليسع القائد والمشي إليه ، والنزول عليه ، تنويها بمقدمه (٥) ، وتنبيها على حظوته لديه وتقدمه ، فصارا إلى بابه ، فوجداه مقفرا من حجّابه ، فاستغربا خلوّه من خول ، وظنّ كلّ واحد منهما وتأوّل ، ثم أجمعا على قرع الباب ، ورفع ذلك الارتياب ، فخرج وهو دهش ، وأشار إليهما بالتحية ويده ترتعش ، وأنزلهما خجلا ، ومشى بين أيديهما عجلا ، وأشار إلى شخص فتوارى بالحجاب ، وبارى الريح سرعة في الاحتجاب ، فقعدا ومقلة الخشف (٦) ، ترمق من خلال السّجف (٧) ، فانصرفا عنه ، وعزما أن يكتبا إليه بما فهما منه ، فكتبا إليه : [الهزج]
__________________
(١) الوسن ، بفتح الواو والسين : النوم.
(٢) أخذ هذا من قول امرئ القيس : اليوم خمر وغدا أمر.
(٣) يتحسون : يشربون جرعة بعد جرعة.
(٤) قلائد العقيان : ١٦٨.
(٥) في ب : لمقدمه.
(٦) الخشف ، بكسر فسكون : ولد الظبية.
(٧) السجف : الستر.