ذلك المجد ، ولما كان إحسانك يبشر [به] الصادر والوارد ، ويحرض عليه الغائب والشاهد ، مدّ أمله نحوك موصل هذه المفاتحة ، وليس له وسيلة ولا بضاعة إلا الأدب وهي عند بيتك الكريم رابحة ، وهو من شتتت خطوب هذا الزمان شمله ، وأبانت نوائبه صبره وفضله ، وما طمح ببصره إلا إلى أفقك ، ولا وجّه رجاءه إلا نحو طرقك ، والرجاء من فضلك أن يعود وقد أثنت حقائبه (١) ، وأعنقت من الحمد ركائبه ، دمت غرة في الزمن البهيم ، مخصوصا بأفضل التحية والتسليم ، انتهى.
وابن عسكر المذكور عالم بالتاريخ متبحر في العلوم ، وله كتاب في أنساب بني سعيد أصحاب هذه الترجمة ، ومن شعره : [بحر السريع]
أهواك يا بدر وأهوى الذي |
|
يعذلني فيك وأهوى الرقيب |
والجار والدار ومن حلّها |
|
وكلّ من مرّ بها من قريب |
وكلّ مبد شبها منكم |
|
وكل من يلفظ باسم الحبيب |
رجع ـ قال ابنه علي : لما أردت النهوض من ثغر الإسكندرية إلى القاهرة أول وصولي إلى الإسكندرية ، رأى أن يكتب لي وصية أجعلها إماما في الغربة ، فبقي فيها أياما إلى أن كتبتها عنه ، وهي هذه ، وكفى بها دليلا على ما اختبر وعلم : [بحر السريع]
أودعك الرحمن في غربتك |
|
مرتقبا رحماه في أوبتك (٢) |
وما اختياري كان طوع النوى |
|
لكنني أجري على بغيتك |
فلا تطل حبل النوى إنني |
|
والله أشتاق إلى طلعتك |
من كان مفتونا بأبنائه |
|
فإنني أمعنت في خبرتك |
فاختصر التوديع أخذا ، فما |
|
لي ناظر يقوى على فرقتك |
واجعل وصاتي نصب عين ولا |
|
تبرح مدى الأيام من فكرتك |
خلاصة العمر التي حنّكت |
|
في ساعة زفّت (٣) إلى فطنتك |
فللتّجاريب أمور إذا |
|
طالعتها تشحذ (٤) من غفلتك |
__________________
(١) أثنت حقائبه : كناية عن إرادة الرحيل.
(٢) أوبتك : عودتك.
(٣) في ه : «رفت إلى فطنتك».
(٤) تشحذ : تحفّز وتقوي.