أبي عامر منذ نزل قصر الزاهرة وتوسّع مع الأيام في تشييد أبنيتها حتى كملت أحسن كمال ، وجاءته في نهاية الجمال ، تفاوت بناء (١) ، وسعة فناء ، واعتدال هواء ، رقّ أديمه ، وصقالة جوّ اعتلّ نسيمه ، ونضرة بستان ، وبهجة للنفوس فيها افتنان ، وفيها يقول صاعد اللغوي : [البسيط]
يا أيّها الملك المنصور من يمن |
|
والمبتني نسبا غير الّذي انتسبا |
بغزوة في قلوب الشّرك رائعة |
|
بين المنايا تناغي السّمر والقضبا(٢) |
أما ترى العين تجري فوق مرمرها |
|
زهوا فتجري على أحفافها الطّربا(٣) |
أجريتها فطما الزّاهي بجريتها |
|
كما طموت فسدت العجم والعربا |
تخال فيه جنود الماء رافلة |
|
مستلئمات تريك الدّرع واليلبا(٤) |
تحفّها من فنون الأيك زاهرة |
|
قد أورقت فضّة إذ أورقت ذهبا |
بديعة الملك ما ينفكّ ناظرها |
|
يتلو على السّمع منها آية عجبا |
لا يحسن الدّهر أن ينشي لها مثلا |
|
ولو تعنّت فيها نفسه طلبا |
ودخل عليه ابن أبي الحباب في بعض قصوره من المنية المعروفة بالعامرية ، والروض قد تفتحت أنواره ، وتوشحت أنجاده وأغواره ، وتصرّف فيها الدهر متواضعا ، ووقف بها السعد خاضعا ، فقال : [البسيط]
لا يوم كاليوم في أيّامك الأول |
|
بالعامريّة ذات الماء والظّلل |
هواؤها في جميع الدّهر معتدل |
|
طيبا وإن حلّ فصل غير معتدل |
ما إن يبالي الّذي يحتلّ ساحتها |
|
بالسّعد أن لا تحلّ الشّمس بالحمل |
وما زالت هذه المنية (٥) رائقة ، والسّعود بلبّتها متناسقة ، تراوحها الفتوح وتغاديها ، وتجلب إليها منكسرة أعاديها ، لا تزحف عنها راية إلا إلى فتح ، ولا يصدر عنها تدبير إلا إلى نجح ، إلى أن حان يومها العصيب ، وقيض لها من المكروه أوفر نصيب ، فتولت فقيدة ، وخلت من بهجتها كل عقيدة ، انتهى.
__________________
(١) في ب : نقاوة بناء.
(٢) السمر : الرماح. والقضب : جمع قضيب ، وهو السيف القاطع.
(٣) في ب : هوى فتجري على أضعافها الطربا.
(٤) اليلب : الترس.
(٥) الجذوة ص ٣٧٧.