صانك الله عن كلالك فيها |
|
فمن العار كلّة المسمار |
فكتب إليه ابن شهيد : [الخفيف]
قد فضضنا ختام ذاك السّوار |
|
واصطبغنا من النّجيع الجاري |
ونعمنا في ظلّ أنعم ليل |
|
ولهونا بالبدر ثمّ الدّراري |
وقضى الشّيخ ما قضى بحسام |
|
ذي مضاء عضب الظّبا بتّار |
فاصطنعه فليس يجزيك كفرا |
|
واتّخذه سيفا على الكفّار |
وقد قدمنا هذه الحكاية في أخبار المنصور من الباب الثالث ، ولكنا أعدناها هنا بلفظ المطمح لما فيه من العذوبة والفائدة الزائدة.
وممن كان في أيام المنصور من الوزراء المشهورين الوزير الكاتب أبو مروان عبد الملك بن إدريس الخولاني ، قال في المطمح (١) : علم من الأعلام فريد (٢) الزمان ، وعين من أعيان البيان ، باهر الفصاحة ، طاهر الجناب والساحة ، تولى التحبير أيام المنصور والإنشاء ، وأشعر بدولته الأفراح والانتشاء ، ولبس العزة مدتها (٣) ضافية البرود ، وورد بها النعمة صافية الورود ، وامتطى من جياد التوجيه ، وأعنق من لاحق والوجيه (٤) ، وتمادى طلقة ، ولا أحد يلحقه ، إلى أيام المظفر فمشى على سننه ، وتمادى السعد يترنم على فننه (٥) ، إلى أن قتل المظفر صهره عيسى بن القطاع ، صاحب دولته وأميرها المطاع ، وكان أبو مروان قديم الاصطناع له والانقطاع ، فاتهم معه ، وكاد أن يذوق حمامه ومصرعه (٦) ، إلا أن إحسانه شفع ، وبيانه نفع ودفع ، فحطّ عن تلك الرتب ، وحمل إلى طرطوشة على القتب ، فبقي هنالك معتقلا في برج من أبراجها نائي المنتهى ، كأنما يناجي السها ، قد بعد ساكنه عن الأنيس ، وقعد من النجم بمنزلة الجليس ، تمر الطيور دونه ولا تجوزه ، ويرى منه الثرى ولا يكاد يحوزه ، فبقي فيه دهرا لا يرتقي إليه راق ، ولا يرجى لبثّه راق ، إلى أن أخرج منه إلى ثراه ، واستراح مما عراه ، فمن بديع نظمه قوله يصف المعتقل (٧) ، الذي فيه اعتقل : [الكامل]
يأوي إليه كلّ أعور ناعق |
|
وتهبّ فيه كلّ ريح صرصر |
__________________
(١) المطمح ص ١٣.
(٢) في ب ، ه : علم من أعلام الزمان.
(٣) في ب : ولبس العزة ضافية البرود.
(٤) لاحق ، والوجيه : فرسان من جياد الخيل.
(٥) الفنن : الغصن.
(٦) في المطمح : أن يذوق الحمام ومصرعه.
(٧) في ب : يصف المعقل.