ويكاد من يرقى إليه مرّة |
|
من عمره يشكو انقطاع الأبهر(١) |
ودخل ليلة على المنصور والمنصور قد اتكأ وارتفق ، وتحلى بمجلسه ذلك الأفق ، والدّنيا بمجلسه ذلك مسوقة ، وأحاديث الأماني به منسوقة ، فأمره بالنزول عنده (٢) فنزل في جملة الأصحاب ، والقمر يظهر ويحتجب في السحاب ، والأفق يبدو به أغر ثم يعود مبهما ، والليل يتراءى منه أشقر ثم يعود أدهما ، وأبو مروان قد انتشى ، وجال في ميدان الأنس ومشى ، وبرد خاطره قد دبجه السرور ووشى ، فأقلقه ذلك المغيب والالتياح ، وأنطقه ذلك السرور والارتياح ، فقال : [الوافر]
أرى بدر السّماء يلوح حينا |
|
فيبدو ثمّ يلتحف السّحابا |
وذلك أنّه لمّا تبدّى |
|
وأبصر وجهك استحيا فغابا |
مقال لو نمى عندي إليه |
|
لراجعني بذا حقّا جوابا |
وله في مدة اعتقاله ، وتردّده في قيله وقاله : [الكامل]
شحط المزار فلا مزار ، ونافرت |
|
عيني الهجوع فلا خيال يعتري |
أزري بصبري وهو مشدود القوى |
|
وألان عودي وهو صلب المكسر(٣) |
وطوى سروري كلّه وتلذّذي |
|
بالعيش طيّ صحيفة لم تنشر |
ها إنّما ألقى الحبيب توهّما |
|
بضمير تذكاري وعين تذكّري |
عجبا لقلبي يوم راعتني النّوى |
|
ودنا وداع كيف لم يتفطّر(٤) |
رجع إلى المنصور : وكان المنصور إذا أراد أمرا مهما شاور أرباب الدولة والأكابر (٥) من خدام الدولة الأموية ، فيشيرون عليه بالوجه الذي عرفوه وجرت الدولة الأموية عليه ، فيخالفهم إلى المنهج الذي ابتدعه ، فيقضون في أنفسهم بالهلاك في الطريق الذي سلكه ، والمهيع الذي اخترعه (٦) ، فتسفر العاقبة عن السلامة التامة التي اقتضاها سعده ، فيكثرون التعجب من موارد أموره ومصادرها.
وقيل له مرة : إن فلانا مشؤوم فلا تستخدمه ، فقال : أف لسعد لا يغطي على شؤمه ، فاستخدمه ، ولم ينله من شؤمه الذي جرت به العادة شيء.
__________________
(١) الأبهر : وريد العنق.
(٢) عنده : غير موجودة في ب.
(٣) في ب ، ج : مشدود العرى.
(٤) في ه ، ب : ودنا وداعي كيف لم يتفطر.
وتفطر : تصدع.
(٥) في ب : أرباب الدولة الأكابر.
(٦) المهيع : الطريق البيّن الواسع.