رفيقي جاوزنا حدود مواطن |
|
صحبنا بها الأيام طلقا محيّاها |
وما إن تركناها لجهل بقدرها |
|
ولكن ثنت عنا أعنّة سقياها |
فسرنا نحثّ السير عنها لغيرها |
|
إلى أن يمنّ الله يوما بلقياها |
وكان وصوله الإسكندرية في السابع والعشرين من شهر ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وستمائة.
وقال رحمه الله تعالى : أخذت مع والدي يوما في اختلاف مذاهب الناس ، وأنهم لا يسلمون لأحد في اختياره ، فقال : متى أردت أن يسلم لك أحد في هذا التأليف ـ أعني المغرب ـ ولا يعترض أتعبت نفسك باطلا (١) ، وطلبت غاية لا تدرك ، وأنا أضرب لك مثلا : يحكى أن رجلا من عقلاء الناس كان له ولد ، فقال له يوما : يا أبي ، ما للناس ينتقدون عليك أشياء وأنت عاقل؟ ولو سعيت في مجانبتها سلمت من نقدهم ، فقال : يا بني ، إنك غرّ (٢) لم تجرّب الأمور ، وإن رضا (٣) الناس غاية لا تدرك ، وأنا أوقفك على حقيقة ذلك ، وكان عنده حمار ، فقال له : اركب هذا الحمار وأنا أتبعك ماشيا ، فبينما هو (٤) كذلك إذ قال رجل : انظر ، ما أقلّ هذا الغلام بأدب! يركب ويمشي أبوه ، وانظر ما أشد تخلف والده لكونه يتركه لهذا ، فقال له : انزل أركب أنا وامش أنت خلفي ، فقال شخص آخر : انظر هذا الشخص ، ما أقلّه بشفقة! ركب وترك ابنه يمشي ، فقال له : اركب معي ، فقال شخص : أشقاهما الله تعالى! انظر كيف ركبا على الحمار ، وكان في واحد منهما كفاية ، فقال له : انزل بنا ، وقدّماه وليس عليه راكب ، فقال شخص : لا خفّف الله تعالى عنهما! انظر كيف تركا الحمار فارغا وجعلا يمشيان خلفه ، فقال : يا بني ، سمعت كلامهم ، وعلمت أن أحدا لا يسلم من اعتراض الناس على أي حالة كان ، انتهى.
وقال في أثناء خطبة المغرب ما نصه : الحمد (٥) لله الذي جعل الأدب أفضل ما اكتسب ، وأفضل ما انتخب ، إذ هو ذخر لا يخاف كساده ، وكنز لا يخشى انتقاصه وإن كثر مرتاده ، ولله درّ القائل : [بحر الطويل]
__________________
(١) في ب ، ه : «أتبعت نفسك باطلا».
(٢) الغرّ : الحدث السن الذي تنقصه التجارب.
(٣) في ب : «رضى».
(٤) في ب ، ه : «فبينما هما كذلك».
(٥) في ب : «والحمد».