رأيت جميع الكسب يفقده الفتى |
|
وتبقى له أخلاقه والتأدّب |
إذا حل في أرض أقام لنفسه |
|
بآدابه قدرا به يتكسّب |
وأومأ كلّ نحوه ، ولعله |
|
إلى غير أهل للنباهة ينسب |
وقال في أثناء الكلام لبعض المغاربة : [الطويل]
فأثبتّ في كل المواطن همّة |
|
إلى طلب العلم الذي كان مطّرح (١) |
وصيّرت من قد كان بالنظم جاهلا |
|
يحاوله كيما تجود لك المدح |
وقال أيضا في الخطبة : وبعد ، فهذا كتاب راحة قد تعبت في جمعه الأسماع والأبصار والأفكار ، وكل عناء سهل إذا أنجح القصد ، وقد بدأ فيه من سنة ثلاثين وخمسمائة ، ومنتهاه إلى غرة سنة إحدى وأربعين وستمائة ، وأول من كان السبب في ابتداء هذا الكتاب جدّ والدي عبد الملك بن سعيد ، وهو إذ ذاك صاحب قلعة بني سعيد تحت طاعة علي بن يوسف بن تاشفين أمير المسلمين ملك البربر ، إلى أن استبدّ بها سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ، وقصده في سنة ثلاثين وخمسمائة حافظ الأندلس أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن الحجاري (٢) وصنف له كتاب «المسهب ، في غرائب المغرب» في نحو ستة أسفار ، وابتدأ فيه من فتح الأندلس إلى التاريخ الذي ابتدأه فيه ، وهو سنة ثلاثين وخمسمائة ، ثم ثار في خاطر عبد الملك أن يضيف إليه ما أغفله الحجاري ، وتولع بمطالعته ابناه أبو جعفر ومحمد ، وأضافا له ما استفاداه ، ولم يزل يزيد إلى أن استبدّ به محمد ، فاعتنى به أشد اعتناء ، ثم استبد به والدي ـ وكان أعلمهم بهذا الشأن ـ وبلغ من اجتهاده في هذا الكتاب أنني أذكره يوما وقد نوّه به ابن هود وهو ملك الأندلس وولّاه الجزيرة الخضراء ، فأعلمه شخص أن عند أحد المنسوبين إلى بيت نباهة كراريس من شعر شعرائها ، وأخبار رؤسائها ، الذين تحتوي عليهم دولة بني عبد المؤمن ، فأرسل إليه راغبا في استعارتها ، فأبى ، وقال : علي يمين أن لا تخرج عن منزلي ، وقال : إن كانت له حاجة يأتي على رأسه ، وكان جاهلا ، فلما سمع والدي ضحك فقال لي : سر معي إليه ، فقلت له : ومن يكون هذا حتى نمشي له على هذه الصورة؟ فقال : إني لا أمشي له ، ولكن أمشي للفضلاء الذين تضمنت الكراريس أشعارهم وأخبارهم ، أتراهم لو كانوا أحياء مجتمعين في موضع أنفت أن أمشي إليهم؟ قلت : لا ، قال : فإن الأثر ينوب عن العين ، فمشينا
__________________
(١) اطّرحه : رماه ناحية.
(٢) هو أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الكندي الحجاري الأندلسي المالكي المتوفي سنة ٥٨٤ ه. له : حديقة في علم البديع ، والمسهب في أخبار أهل المغرب (كشف الظنون ج ٥ ص ٤٥٧).