فبزّت يدي غصبا لها ثوب جسمها |
|
وأعريتها باللّطف من كلّ ملبس(١) |
ولمّا تعرّت في يدي من برودها |
|
ولم تبق إلّا في غلالة نرجس(٢) |
ذكرت لها من لا أبوح بذكره |
|
فأذبلها في الكفّ حرّ التّنفّس |
وله وقد أعاده المنصور إلى المطبق ، والشجون تسرع إليه وتسبق ، معزيا لنفسه ، ومجتزيا بإسعاد أمسه : [المتقارب]
أجازي الزّمان على حاله |
|
مجازاة نفسي لأنفاسها |
إذا نفس صاعد شفّها |
|
توارت به دون جلّاسها |
وإن عكفت نكبة للزّمان |
|
عكفت بنفسي على راسها |
ومما حفظ له في استعطافه ، واستنزاله للمنصور واستلطافه ، قوله : [المتقارب]
عفا الله عنك ، ألا رحمة |
|
تجود بعفوك أن أبعدا |
لئن جلّ ذنب ولم أعتمده |
|
فأنت أجلّ وأعلى يدا |
ألم تر عبدا عدا طوره |
|
ومولى عفا ورشيدا هدى |
ومفسد أمر تلافيته |
|
فعاد فأصلح ما أفسدا |
أقلني أقالك من لم يزل |
|
يقيك ويصرف عنك الرّدى |
عود وانعطاف إلى أخبار المنصور بن أبي عامر رحمه الله تعالى! وجازاه عن جهاده أفضل الجزاء بمنه وكرمه وفضله وطوله! فنقول :
وكان له في كل غزوة من غزواته المنيفة على الخمسين مفخر من المفاخر الإسلامية ، فمنها أن بعض الأجناد نسي رايته مركوزة على جبل بقرب إحدى مدائن الروم ، فأقامت عدة أيام لا يعرف الروم ما وراءها بعد رحيل العساكر ، وهذا بلا خفاء مما يفتخر به أهل التوحيد على أهل التثليث (٣) ، لأنهم لما أشرب قلوبهم خوف شرذمة المنصور وحزبه ، وعلم كلّ من ملوكهم أنه لا طاقة له بحربه لجؤوا إلى الفرار والتحصن بالمعاقل والقلاع ، ولم يحصل منهم غير الإشراف من بعد والاطلاع.
ومن مفاخر المنصور في بعض غزواته أنه مر بين جبلين عظيمين في طريق عرض بريد
__________________
(١) بزت : سلبت.
(٢) الغلالة : لباس يلبس تحت الثوب أو تحت الدرع.
(٣) أهل التثليث : النصارى. وفي ب : أهل : غير موجودة.