ويستبعد أن يكون بجامع قرطبة ولا يذكره ، والله تعالى أعلم بحقيقة الأمر.
وقال في موضع آخر من هذا الكتاب : إن دور قرطبة أربعة عشر ميلا ، وعرضها ميلان ، وهي على النهر الكبير ، وعليه جسران ، وبها الجامع الكبير الإسلامي ، وبها الكنيسة المعظمة بين النصارى ، وبهذه المدينة معدن الفضة ومعدن الشاذنج ، وهو حجر من شأنه أن يقطع الدم ، وكان يجلب منها البغال التي تباع كل واحدة منها بخمسمائة دينار من حسنها وعلوّها الزائد ، انتهى.
رجع إلى أخبار البنيان ـ ولا خفاء أنه يدل على عظم (١) قدر بانيه ، ولذلك قال أمير المؤمنين الناصر المرواني باني الزهراء رحمه الله تعالى حسبما نسبهما له بعض العلماء وبعض ينسبهما لغيره ، وسيأتيان في ترجمة نور الدين بن سعيد (٢) عليّ منسوبين : [الكامل]
همم الملوك إذا أرادوا ذكرها |
|
من بعدهم فبألسن البنيان |
إنّ البناء إذا تعاظم قدره |
|
أضحى يدلّ على عظيم الشّان |
وتذكرت هنا قصيدة قالها بعض الشاميين ، وهو الأديب الفاضل الشيخ أسد بن معين الدين ، مما يكتب على أبراج دار الحسيب النسيب ، الشهير البيت ، الكبير الحي والميت ، القاضي عبد الرحمن بن الفرفور الدمشقي ، وضمنها بيتي الناصر المذكورين : [الكامل]
زر مجلسا أضحى أعزّ مكان |
|
ومحلّ أهل العلم والعرفان |
المجد خيّم في ذرى أبراجه |
|
والسّعد عبد الباب طول زمان |
كالخلد مرفوع البناء ، وأرضه |
|
مفروشة بالدّرّ والعقيان(٣) |
بيت به فخر البيوت لأنّه |
|
بيت القصيد ومنزل الضّيفان |
مغنى فسيح فيه معنى مفصح |
|
عن قدر بانيه بغير لسان |
قد قال بعض ذوي الفضائل قبلنا |
|
قولا بديعا واضح التبيان |
همم الملوك إذا أرادوا ذكرها |
|
من بعدهم فبألسن البنيان |
إنّ البناء إذا تعاظم قدره |
|
أضحى يدلّ على عظيم الشّان |
قد شاده من ساد أهل زمانه |
|
بالأصل والإفضال والرّجحان |
ورث السّيادة كابرا عن كابر |
|
وسما برفعته على كيوان |
__________________
(١) في ه ، ب : على عظيم قدر بانيه.
(٢) كلمة (سعيد) : موجودة في ه وغير موجودة في ج.
(٣) العقيان : الذهب الخالص.