وكان للسلطان المذكور سعد يضرب به المثل ، حتى إنه كتب له صاحب مكة البيعة من إنشاء ابن سبعين المتصوف ، كما ذكر ذلك ابن خلدون في تاريخه الكبير ، وسرد نصها ، وهي من الغرائب.
ومن سعده أن الفرنسيس الذي كان أسر بمصر وجعل في دار ابن لقمان والطواشي صبيح يحرسه لما سرّح جاء من أمم النصرانية لبلاد المسلمين بما لم يجتمع قط مثله ، حتى قيل : إنهم كانوا ألف ألف ، فكتب إليه أهل مصر من نظم ابن مطروح القصيدة المشهورة التي منها : [بحر السريع]
قل للفرنسيس إذا جئته |
|
مقالة من ذي لسان فصيح |
إلى أن قال : [بحر السريع]
دار ابن لقمان على حالها |
|
ومصر مصر والطّواشي صبيح |
والقصيدة مشهورة فلذلك لم أسردها ، فصرف الفرنسيس جيوشه إلى تونس ، فكتب إليه بعض أدباء دولة المستنصر : [بحر الخفيف]
أفرنسيس ، تونس أخت مصر |
|
فتأهّب لما إليه تصير |
لك فيها دار ابن لقمان قبر |
|
وطواشيك منكر ونكير |
فقضى الله سبحانه وتعالى أنه مات في حركته لتونس ، وغنم المستنصر غنيمة ما سمع بمثلها قط ، ويقال : إنه دس إليه سيفا مسموما من سلّه أثر فيه سمه ، وقلده رسولا إليه بعد أن جعل عليه من الجواهر النفيسة ما لم ير مثله عند غيره ، وقال للرسول : إن الفرنسيس رجل كثير الطمع ، ولو لا ذلك ما عاود بلاد المسلمين بعد أسره ، وإنه سيرى السيف ، ويكثر النظر إليه ، فإذا رأيته فعل ذلك فانزعه من عنقك وقبله ، وقل له : هذا هدية مني إليك ، لأن من آدابنا مع ملوكنا أن كل ما وقع نظر الملك عليه وعاود النظر إليه بالقصد فلا بد أن يكون له ، ويحرم علينا أن نمسكه ، لأن ما أحبه المولى على العبيد حرام ، وتكراره النظر إليه دليل على حبه له ، ففرح النصراني بذلك ، وأسرع الرسول العود إلى سلطانه ، فسلّ النصرانيّ السيف ، فتمكن فيه السم بالنظر ، فمات في الحين ، وفرّج الله تعالى عن المسلمين.
رجع إلى أخبار أبي الحسن علي بن سعيد :
قال ابن العديم في تاريخ حلب : أنشدني شرف الدين أبو العباس (١) أحمد بن يوسف
__________________
(١) أبو العباس أحمد بن يوسف التيفاشي. تعلم بالقاهرة وعاد إلى بلده تيفاش وتولى القضاء فيها ، ثم رحل إلى المشرق وألف كتاب «فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الألباب».