فنيت الأموال بالفتنة ، فلا يجد القائم بالأمر ما يصلح به الدولة إذا تفرغ للتدبير والسياسة ، ففرح السلطان ، وبادر إلى تلك الدار ، فرأى ما ملأ عينه ، وسر قلبه ، وخرج الرئيس ابن الحسين والخيل تجنب أمامه ، وبدر الأموال بين يديه ، وأعاده إلى أحسن أحواله ، وجعله وزيرا لديه ، كما كان أبوه مفوضا أموره إليه ، وقال السلطان : إن من أوجب شكر الله علي أن أفتتح المال بأن أؤدي منه للرعية الذين نهبت دورهم واحترقت في الفتنة التي كانت بيني وبين أقاربي ما خسروه ، وأمر بالنداء فيهم ، وأحضرهم وكل من حلف على شيء قبضه وانصرف.
وكان السلطان المستنصر المذكور في بعض متصيداته (١) فكتب لأبي عبد الله الرئيس المذكور يأمره بإحضار الأجناد لأخذ أرزاقهم بقوله : [بحر الوافر]
ليحضر كلّ ليث ذي منال |
|
زكا فرعا لإسداء النّوال |
غدا يوم الخميس فما شغلنا |
|
بأسد الوحش عن أسد الرجال |
وحكي أن السلطان المذكور عرض مرة أجناده ، وقيل : بل سلم عليه الموحدون يوم عيد بتونس ، وفيهم شاب [مليح] وسيم اسم جده النعمان ، فسأله السلطان عن اسمه ، وأعجبه حسنه ، فخجل واحمر وجهه ، وازداد حسنا ، فقال السلطان هذا المصراع : [بحر الكامل]
كلّمته فكلمت (٢) صفحة خدّه
وسأل من الحاضرين الإجازة ، فلم يأتوا بشيء ، فقال السلطان مجيزا شطره :
فتفتحت فيها شقائق (٣) جده
وهذا من البديع (٤) مع ما فيه من التورية والتجنيس.
ومما نسبه له أبو حيان بسنده إليه : [بحر الكامل]
ما لي عليك سوى الدّموع معين |
|
إن كنت تغدر في الهوى وتخون |
من منجدي (٥) غير الدموع وإنها |
|
لمغيثة مهما استغاث حزين |
الله يعلم أن ما حملتني |
|
صعب ولكن في رضاك يهون |
__________________
(١) المتصيدات : رحلات الصيد.
(٢) كلمت : جرحت.
(٣) الشقائق : زهر أحمر يسمى أيضا : شقائق النعمان.
(٤) في ب ، ه : «وهذا من البدائع».
(٥) منجدي : معيني ومساعدي.