العراق ، فلقي أبا بكر الأبهري وأخذ عنه ، وأكثر من لقاء الصالحين وأهل العلم ، ولبس الصوف ، وقنع ، وتورع جدا ، وأعرض عن الشهوات ، وكان إذا سئم من النسخ الذي جعل قوته منه آجر نفسه في الخدمة رياضة لها ، فأصبح عابدا متقشفا منيبا مخبتا (١) عالما عاملا منقطع القرين (٢) ، قد جرت منه دعوات مجابة ، وحفظت له كرامات ظاهرة ، ثم عاد إلى بلده تدمير سنة ست أو سبع وسبعين وثلاثمائة ، وبها أبوه أبو الحسام طاهر حيا ، فنزل خارج مدينة مرسيّة تورّعا عن سكناها وعن الصلاة في جامعها ، فاتخذ له بيتا سقفه من حطب السّدر (٣) يأوي إليه ، واعتمر جنينة بيده يقتات منها ، وصار يغزو مع المنصور محمد بن أبي عامر ، ثم تحول من قريته بعد عامين إلى الثغر ، وواصل الرّباط ، ونزل مدينة طلبيرة ، وكان يدخل منها في السرايا إلى بلد العدو فيغزو ويتقوت من سهمانة ، ويعوّل على فرس له ارتبطه لذلك ، وكان له بأس وشدة وشجاعة وثقافة ، يحدّث عنه فيها بحكايات عجيبة ، إلى أن استشهد مقبلا غير مدبر ، سنة ٣٧٩ ، أو في التي قبلها ، عن اثنتين وأربعين سنة ، وأبوه حي ، رحم الله تعالى الجميع!
١٤٦ ـ ومنهم أبو عبد الله القيجاطي محمد بن عبد الجليل بن عبد الله بن جهور.
مولده سنة ٥٩٠ بقيجاطة (٤) ، وكتب عنه الحافظ المنذري ، ومن شعره قوله : [بحر الطويل]
إذا كنت تهوى من نأت عنك داره |
|
فحسبك ما تلقى من الشوق والبعد |
فيا ويح صبّ قد تضرّم ناره |
|
ووا حرّ قلب ذاب من شدة الوجد |
١٤٧ ـ ومنهم أبو عبد الله ـ ويقال : أبو حامد ـ محمد بن عبد الرحيم ، المازنيّ ، القيسي ، الغرناطي.
ولد سنة ٤٧٣ ، ودخل الإسكندرية سنة ٥٠٨ ، وسمع بها من أبي عبد الله الرازي ، وبمصر من أبي صادق مرشد بن يحيى المديني وأبي الحسن الفراء الموصلي وأبي عبد الله محمد بن بركات بن هلال النحوي وغيرهم ، وحدّث بدمشق ، وسمع أيضا بها وببغداد ، وقدمها سنة ٥٥٦ ، ودخل خراسان ، وأقام بها مدة ، ثم رجع إلى الشام ، وأقام بحلب سنين ، وسكن دمشق ، وكان يذكر أنه رأى عجائب في بلاد شتى ، ونسبه بعض الناس بسبب ذلك إلى
__________________
(١) المخبت : المتواضع.
(٢) منقطع القرين : منقطع النظير والمثيل.
(٣) السّدر : بكسر السين وسكون الدال : شجر النبق.
(٤) قيجاطة : مدينة بالأندلس من عمل جيان (انظر صفة جزيرة الأندلس ص ١٦٥).